لقد فشلت الأمم المتحدة في برامجها المختلفة للتنمية، فها هي القارة الأفريقية يتركها الرجل الأبيض بعد مضي خمسة عقود، وهي اليوم أكثر فقراً وجهلاً. وفي الجهة الأخرى، نجد تصاعد اقتصاديات دول جنوب شرقي آسيا بسبب اكتفائها الذاتي واعتمادها على النفس. والتنمية الحقيقية لا تختزل عن طريق الاستيراد والتصدير أو تقليد نموذج معين، مثل سنغافورة أو هونغ كونغ، بل لا بد أن تكون معبرة عن ثقافة الأمة الإسلامية ومدى وعيها وإدراكها بأهمية استقلالها بإدارة شؤونها وشجونها.ولعل السبب الأكيد لتخلف التنمية في العالم الثالث، تبعية دوله للنموذج الغربي في التحديث والتطوير، فكانت التنمية وافدة من دول مختلفة تماماً عن مجتمعاتنا في منطلقاتها وأهدافها ووسائلها. والأثر العملي لهذه التبعية نجد صعوداً متزايداً لقيم المادية والفردية وتراجعاً للقيم المعنوية والمجتمعية وبذلك فشلت عملية التنمية التي نظرت إلى الإنسان من زواية واحدة فقط. ولذلك لا بد من أسس عدة للتنمية:1 - تحقيق التوحيد ومبدأ الاستخلاف في الأرضلا بد أن يعلم كل مسلم ومسلمة أن الهدف من إقامة هذا الكون هو عبادة الله تعالى وحده قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} الذاريات 56، وقال تعالى {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} المؤمنون 115.ومن أجل إقامة هذا المقصد العظيم من مقاصد الشرع، نجد أن الله تعالى سخر لنا كل ما في السماوات والأرض. قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} الجاثية 12-13، كما إنه دعانا إلى العمل، فقال {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} التوبة 105.2 - التواصل أساس التنمية في الإسلامالإسلام دين العمل والإنتاج واستغلال الفرص، ولا أدل على ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم «إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها» (السلسلة الصحيحة للألباني). والتواصل مع الشعوب والقبائل من أجل قيام المصالح المشتركة قال تعالى: {... وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} الحجرات 13، فهذا الاختلاف في اللغات والأجناس والأجساد من أجل التنوع والتعارف وتبادل المصالح لا من أجل التقاتل والتطاحن والتفرق والتشرذم والانغلاق.3 - التخطيط للموارد البشريةأكدت الدراسات في روسيا والغرب، أهمية التربية والإعداد والتدريب لتنمية رأس المال البشري، ونتج علم التخطيط التربوي الذي غدا عوناً للتخطيط الاقتصادي، وربط ذلك بتكنولوجيا المعلومات، حيث أدرك المفكرون أن كثيراً من الخطط الاقتصادية تتعثر بسبب ثقافة المجتمع وقيمه واتجاهاته وأحياناً كثيرة بسبب جهله. وهنا ظهر علم التنمية المستندة إلى الهوية الخاصة لكل شعب وهذا موجود عندنا في الكويت، حيث إن مجتمعنا الصغير قبل النفط، ينقسم إلى قسمين: تجار سفر ونواخذة غوص وغواصين وعمال، وكل فريق تميز واشتهر بعمله حتى وصلنا إلى الهند وأفريقيا وزنجبار وأعالي البحار، رغم ضعف الإمكان، إلا أنه الإيمان بالله تعالى والاستعانة به وحده لا شريك له والاعتزاز بذلك.ويظهر هذا من خلال الأهازيج التي يرددها النهام في رحلات السفر والغوص ثم الإرادة القوية والعزم على الإعداد السليم والتعلم والتدريب المستمر من جيل إلى جيل، وهكذا واجهنا مصاعب الحياة وعسر العيش في ذاك الزمان.ولعل من السهولة بمكان اليوم رسم الخطط الاقتصادية وصياغة النظريات المالية والتجارية لدفع عجلة التنمية، ونؤيد هذا بالأرقام والإحصاءات، ولكن هذا يتطلب بطبيعة الحال رسم خطط تربوية ومناهج اجتماعية تهتم بالتخطيط النوعي وليس الكمي للتربية مع رسم خطط ثقافية متكاملة مع الخطط الاقتصادية. ولا أشك هنا أن بمقدور وزارة التربية الجمع بين الأمرين، وإن كانت هذه محاولة جديدة إلا أنها جادة وضرورية لعلاج اختلالات السوق وربط مخرجات التعليم بمتطلبات السوق.
مقالات
قيم ومبادئ
أسس التنمية
08:18 ص