مع إكمال رئيس الحكومة سعد الحريري تظهير فصول «السيناريو» الذي أفضى إلى خروج مسلّحي «داعش»، قبل أسبوع، من آخر جيْب لهم في الأراضي اللبنانية إلى المقلب السوري الذي انتقلوا منه الى دير الزور، في إطار صفقة أبرمها «حزب الله» مع التنظيم الإرهابي، يكون سُحب «الفتيل» الداخلي للمسار الذي أنهى المعركة ضدّ «داعش» بكشْف مصير العسكريين التسعة الذين كانوا أسْرى لديه (منذ 2014) وطرْدهم من دون محاسبة من الأراضي اللبنانية لتبقى التفاعلات الخارجية لتوفير «حزب الله» بموافقة النظام السوري «ممراً آمناً» لـ«الدواعش» للعبور الى دير الزور.وقد بلْور الحريري في حديث تلفزيوني ما كان أبلغه إلى صحيفة «لوموند» من أنه ورئيس الجمهورية ميشال عون مَن سمحا لمسلحي «داعش» بعبور الحدود «ولكن نقلهم بالحافلات الى شرق سورية كان بقرار من (حزب الله) والسوريين»، إذ كشف «بالنسبة لي الأمر الأهمّ هو حماية جنودنا. تم خطف 9 جنود العام 2014، وأردت أن أعرف ما حدث لهؤلاء الجنود، هل كانوا أحياء أم لا وأين دفنوا، و(داعش) كان يملك تلك المعلومات... وقد شنّ الجيش اللبناني هجوماً كبيراً جداً ضدّهم وفي الساعة الثالثة صباحاً (الأحد الماضي) رفعوا العلم الأبيض وقالوا انهم يريدون التفاوض. بدأنا التفاوض عندها لمعرفة مكان الجنود وعرفنا أنهم استشهدوا فسمحنا لهم بالذهاب إلى سورية».وبهذا الموقف يكون رئيس الحكومة كرّس أن لبنان الرسمي وعلى أعلى مستوى كان أعطى الضوء الأخضر لانسحاب مَن بقي من «داعش» في الجرود الشرقية الحدودية مع سورية، الأمر الذي من شأنه احتواء الغموض الكبير الذي أحاط هذه النقطة، وسط علامات استفهامٍ رسَمَها سياسيون وناشطون على مواقع التواصل حيال كيفية السماح بإفلات قتَلة العسكريين من العقاب وترْكهم يغادرون، مع تحميل «حزب الله» لوحده هذه المسؤولية.وبدا واضحاً في رأي أوساط سياسية ان الحريري الذي جزم بأن الجيش اللبناني هو الذي انتصر في المعركة ضدّ «داعش»، أراد تعطيل أي «صواعق» يمكن أن تطيح بالاستقرار في لبنان من بوابة تداعيات معركة الجرود وأيضاً طمْأنة المجتمع الدولي الى أن بيروت التي كانت غطّت عملية الجيش بوجه التنظيم الإرهابي ووضعتْها تحت سقف التحالف الدولي ضدّ الإرهاب، لم يكن لها أيّ علاقة بالصفقة مع «الدواعش»، وذلك تفادياً لأي التباسات يمكن أن تُحدِث «ثقوباً» في المظلة الدولية للبنان والتي تعبّر عن نفسها بالمساعدات الأميركية والبريطانية العسكرية للمؤسسة العسكرية، وصولاً إلى ما كشفت عنه زيارة رئيس الحكومة الناجحة لباريس، ولا سيما لقاؤه الرئيس ايمانويل ماكرون، من أن الأخير في نيّته الدعوة إلى مؤتمرين في الفصل الأول من 2018، الأول في باريس للمستثمرين بهدف جمع تمويل خاص للبنان وتمويل عام حكومي لمساعدة لبنان اقتصادياً، والثاني (لم يُحسم مكانه بعد) من أجل عودة اللاجئين إلى بلادهم، اضافة الى مؤتمر ستستضيفه ايطاليا لدعم الجيش اللبناني.ورغم حرْص الحريري على الإعلان من باريس ان «اللبنانيين يرغبون باستمرار التوافق وانتظام عمل المؤسسات لأن في ذلك مصلحة للجميع»، إلا ان مصادر مطلعة تخشى أن يكون الواقع اللبناني مقبلاً على «شد حبال» وعلى مرحلة جديدة من «ليّ الأذرع»، ولو «على البارد»، في إطار توظيف «حزب الله» وحلفائه انتصار الجرود نحو التطبيع مع النظام السوري.ولفتت المصادر الى أن نبْش أحداث عرسال 2014 التي جرى خلالها خطْف العسكريين ودعوة عون لإجراء التحقيقات الضرورية لتحديد المسؤوليات في هذه القضية، ورغم أن طابعه يتّصل بالمحاسبة عن أي تقصير رافق حصول الخطف وعدم إعطاء إشارة استعادة الجنود بالقوّة وغيرها من النقاط الحساسة، إلا أنه قد يشكّل عنصر توتير داخلياً موازياً ولا سيما إذا ارتأى القضاء العسكري التوسّع بملفٍ تتعدّد الأسماء التي يتم ربْطها به، من نواب ووزراء حاليين أو سابقين وحتى الرئيس السابق للحكومة تمام سلام والقائد السابق للجيش العماد جان قهوجي، وهي أسماء لغالبيتها امتدادات سياسية الى جانب كون أي مساءلة لهم تحتاج لآليات دستورية محدَّدة.وحسب هذه المصادر، فإن ظهور الرئيس السوري بشار الأسد على مقربة من الحدود مع لبنان (في قارة) في أول ايام عيد الأضحى لا يَخرج عن سياق تظهير الأبعاد الاستراتيجية لتطهير الحدود اللبنانية - السورية بالتوقيت الذي حدّده «حزب الله»، ولا عن العنوان رقم واحد الذي سيحكم الواقع اللبناني وهو التطبيع مع هذا النظام من بوابة الضرورات الاقتصادية للقطاعات الانتاجية والأهمّ ملف النازحين، ملاحِظة ان «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس عون) يلاقي «حزب الله» في هذا السياق، ولو من بوابة قضية النازحين، متسائلة عما إذا كان هذا الأمر من شأنه أن يُدخِل علاقة التيار بالحريري الى دائرة التوتر.وتوقفت المصادر نفسها عند تولّي رئيس «التيار الحر» وزير الخارجية جبران باسيل عبر «تويتر» الردّ ضمناً على الحريري الذي كان قال من باريس «انظروا إلى العراق والأردن ومصر! هذه الدول لها علاقات مع النظام السوري، ومع ذلك لم يعد اللاجئون إلى سورية. لن يعودوا إلى بلادهم طالما أن النظام موجود هناك. وطالما لم أُعطَ ضوء أخضر من الأمم المتحدة من أجل عودة آمنة للاجئين، لن أفعل أي شيء».وقد سأل باسيل «هل يجوز انتظار ضوء أخضر دولي، لن يأتي قريباً، لتحقيق موضوع وطني وجودي كياني خطير مثل عودة النازحين الى بلدهم؟» و«هل يمكن ربط هذه العودة بموضوع واضح انّه لن يحصل قريباً مثل رحيل الرئيس الأسد؟»، مضيفاً «انّه زمن الأضحى والتضحية، النصر والانتصار، لبنان الكبير والقوي. انه عهد الانجازات، ولّى زمن الضعف والقبول والانتظار»، قبل ان يوضح ان «قسماً من النازحين تتطلب عودته التحدّث مع سورية بحكم العلاقة القائمة معها وهذا الأمر يمكن ترتيبه بالتوقيت والآلية التي تؤمن مصلحة لبنان وتراعي وحدتنا».
خارجيات
الأسد على حدوده... فأيّ رسالة؟
لبنان في سباقٍ بين «سحبِ الفتائل» و... «شدّ الحبال»
10:08 م