ورحل الغالي أبو الموقة.كنت في الصف الأول الثانوي تقريباً عندما سمعت أغنية الفنان حسين جاسم «أيا غالي يا بو الموقة». ولأن القاف الكويتية في الموج تشبه الجيم المصرية في الموج بحسب ما كانت تشرح «أبلة فايزة» حصة الفيزياء باختصار بحسب أغنية أم كلثوم «والموجة تجري ورى الموجة»، وكان شرحها يحببني في الفيزياء وأم كلثوم والمصريين...ذهب خيالي إلى تصور الفنان حسين جاسم يتغزل في حبيبته الغالية ذات الشعر المتموج إلى الأمام، وتخيلت أبو الموقة هو الاسم الثاني لأبو قذيلة، فهو ذات الغزل في القذلة حتى ضحكت أمي عليّ كثيراً وهي تشرح لي معنى الموقة بأنها شوفة الحال التي تقف عند آخر حدود الكبرياء ولا تقطع شعرة الغرور. فالمايق معتز بذاته إلى أقصى درجة، وهي صفة جذابة في أولها لأنها مرادفة للدلع، لكنها طاردة في تكرارها لأنها مرادفة للملاقة أو السماجة حالها حال كل شيء زاد عن حده انقلب ضده.منذ عرفت معنى الموقة، وتالياً «مواق في مشيته مواق» للفنانة عايشة المرطة، وأنا أفتش في جميع الزوايا عن ذلك الغالي أبو الموقة ولم أجده إلا في أغنية حسين جاسم.وحسين جاسم نفسه، صاحب الصوت الذي يتقطر عذوبة ويموق بصوته، فلا يجوز به إلا بالقليل الكثير مثل «حبيبي شمعة الجلاس» التي تحولت بعد عقود من غنائها إلى زفة عرايس «مودرن» أو «توني عرفتك زين تلعب على الحبلين» و«حلفت عمري» وغيرها من بضع أغنيات محدودة آثر بعدها أن يموق على جمهوره كي يبقى غالياً ولا يضطر أن يقدم ما لا يقتنع به، مؤثراً أن يحتفظ بصورة أستاذ الموسيقى وناظر المدرسة على الفنان الملتزم، فالتزم الغياب.قدم حسين جاسم في مسيرته المؤثرة أقوى مآثر الغياب، أن تكون حاضراً بقوة حين تغيب، في حين آثر غيره محاصرة الغياب بالحضور «كل تكة وكل دقيقة ولو عبر السناب».الفنان حسين جاسم غاب منذ زمن بعيد، لكن مقياس صدق فنه كان عصياً على النسيان. فحين غيّبه القدر، بدا وكأنه لم يغِب... وكأنه كان للتو هنا «شمعة الجلاس» الذي حبب الناس في الموقة التي لم تلِق إلا به.ورحل الغالي أبو الموقة.التحق الفنان حسين جاسم بقائمة الخالدين الذين رحلوا في شهر أغسطس الحزين كطلال مداح وغازي القصيبي وعبدالرحمن السميط وعبدالحسين عبد الرضا ومحمود درويش وأحمد البغدادي ونور الشريف رحمهم الله جميعاً، ورحم الله الفنان الجميل حسين جاسم ورحمنا الله من قسوة أغسطس.reemalmee@
مقالات
رواق
أبو الموقة
04:22 م