الحج ركن من أركان الإسلام فرضه الله تعالى على كل مسلم بالغ عاقل حر مستطيع، وقد سُئل النبي عليه الصلاة والسلام: أي الأعمال أفضل؟ فقال: إيمان بالله ورسـوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: جهاد في سبيل الله، قيل ثم ماذا ؟ قال: حج مبرور.متفق عليه، والحج المبرور هو الحج المقبول الذي لا يخالطه شيء من الإثم والذي لا رياء فيه، وذكر العلماء أنه الحج الذي وفيت أحكامه ووقع من المكلف على الوجه الأكمل من دون أن يعصي الله تعالى فيه أثناء أدائه.سداد دين أم أداء حج؟يقول السائل: إن كان على الشخص ديون لم يسددها ويرغب في أداء فريضة الحج، واستطاعته المادية لا تسع أداء الحج وقضاء الدين معاً، فهل يؤجل سداد الديون لأداء الحج؟ أم يؤجل حجته لقضاء الدين؟ وشكراً...نقول وبالله التوفيق: من أراد أن يؤدي حجته وعليه دين حال حان وقت أدائه فليس له أن يخرج للحج إلا بإذن أصحاب الدين، ويحق لهم أن يمنعوه من الخروج؛ لأن حقهم مقدم، وأما إذا كان الدين مؤجلاً فيجوز الخروج لأداء الحج بغير إذنهم؛ إلا أن الأولى والأفضل في مثل هذه الحالة هو قضاء الدين، فلا يضيّق الإنسان على نفسه ويؤجل حقوق غيره إن كان غير مستطيع فالاستطاعة شرط من شروط وجوب الحج، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فمن كانت قدرته المادية لا تسع إلا على أداء أحدهما فإن وفاء الدين وإبراء الذمة يقدم على الحج، فيؤخر حجته إلى أن تتوفر لديه الاستطاعة، لقوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) آل عمران/97.الحج عن النفس وعن الغير في حجة واحدة؟لا يصح التشريك في نية الحج بأن يحج الشخص حجة واحدة عن نفسه وعن غيره فالحج عبادة مطلوبة من كل شخص على حِدة؛ لأنه من شروط صحة الحج النية؛ للحديث الشريف: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» وكذلك ما ورد عن رسولنا الكريم عندما أمر الرجل أن يحج عن نفسه حجة مستقلة، ثم يحج عن غيره في قوله: «حج عن نفسك ثم عن شبرمة»؛ فدل ذلك على أن الاشتراك في الحج لا يجوز.حج التطوع أم التصدق على المحتاج؟يرغب كثير من الناس في تكرار الحج تطوعاً بعد أداء فريضة الحج لاستطاعته المادية التي أنعم الله تعالى بها عليه؛ لما في ذلك من فضل وثواب عظيم وتكفير للذنوب؛ للأحاديث النبوية الواردة في ذلك ومنها: «تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة» رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني.فهل حج التطوع أفضل أم الصدقة على المحتاج ؟ يقول العلماء في ذلك أن الحج أفضل من صدقة التطوع، إلا أن تكون الصدقة على قريب محتاج فتكون الصدقة أفضل، ويستحب للمستطيع ألا يتأخر عن الحج أكثر من أربعة أعوام، عملاً بالحديث الشريف: «إن الله تعالى يقول: إن عبداً أصححت له جسمه ووسعت له في معيشته تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إليَّ لمحروم» رواه أبو يعلى وابن حبان، وصححه الألباني، فيخرج الصدقة على القريب المحتاج ولا يؤخر حجته أكثر من أربعة أعوام لينال فضل الصدقة وفضل حج التطوع.الاقتراض لأداء الحجالاقتراض من أجل أداء الحج جائز ولا حرج فيه لمن يقدر على وفاء الدين، لكن الأولى لغير المستطيع مادياً ألا يقترض ويستدين للحج، فإن الله عز وجل لم يوجب الحج إلا على المستطيع؛ فالأولى هو الانتظار والأخذ بالرخصة التي منّ الله بها علينا، وتأخير الحج إلى وقت الاستطاعة والقدرة على نفقات الحج، فقد يستدين الشخص ولا يقدر فيما بعد على تسديد هذا الدين، ويبقى في ذمته، وإن حصل واستدان لأداء الحج وترك الأولى فإن حجه صحيح ولا بأس به.الحج عن الوالدينالتطوع بالحج نيابة عن الوالدين أو أحدهما مستحب وفيه فضل عظيم، وقد دلت الأحاديث النبوية على مشروعية الحج عن الأبوين الميتين وأن فيه الثواب لهما وتكفير ذنوبهما، قال ابن قدامة: «يستحب أن يحج الإنسان عن أبويه إذا كانا ميتين أو عاجزين؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر أبا رزين فقال: حج عن أبيك واعتمر، وسألت امرأة النبي عليه الصلاة والسلام عن أبيها مات ولم يحج؟ فقال: حجي عن أبيك.. إلى أن قال: وروى زيد بن أرقم قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: إذا حج الرجل عن والديه يقبل منه ومنهما، واستبشرت أرواحهما في السماء، وكتب عند الله بَرًا»، وعن ابن عباس قال: «قال رسول الله من حج عن أبويه أو قضى عنهما مغرماً بعث يوم القيامة مع الأبرار»، وعن جابر قال: «قال رسول الله: من حج عن أبيه أو أمه فقد قضى عنه حجته وكان له فضل عشر حجج»، رواية الدارقطني. انتهى.ولا يبادر الولد بالحج عن والديه إلا إن كان قد حج عن نفسه فقد روى أبو داود وابن ماجة أن النبي عليه الصلاة والسلام سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة. فقال النبي: «من شبرمة؟» قال: أخ لي. قال: «هل حججت عن نفسك؟» قال: لا، قال: «حج عن نفسك ثم عن شبرمة».فالواجب أن تحج عن نفسك أولاً؛ لأن الحج واجب على الفور في حق من توفرت لديه الاستطاعة؛ ولأن النائب في الحج لا بد أن يكون قد أدى فريضة الحج عن نفسه.شروط الإنابة في الحج عن الغيرشرع الإسلام الحج عن الغير بشرط أن يكون النائب قد أدى النسك عن نفسه، ولا إنابة في الحج إلا عن الميت، أو الحي العاجز عن أدائها كالشيخ الفاني، والمرأة المسنة، أو المريض مرضاً لا يرجى برؤه وزواله بخلاف المرض المؤقت، ولا تجوز النيابة عن القادر في حج الفريضة، وأما في حج التطوع فقد أجازها بعض العلماء ومنعها بعضهم، والله تعالى أعلم، ونسأله تعالى أن يرزق الجميع الحج المبرور والذنب المغفور.* دكتوراه في الفقه المقارنaalsenan@hotmail.comaaalsenan@
متفرقات - إسلاميات
وقفات فقهية
الحج المبرور أفضل الأعمال
03:43 م