لم تنتهِ مسيرة إمام وخطيب المسجد الكبير الأستاذ الدكتور وليد العلي عند استشهاده في سبيل الدعوة إلى الله ونشر العلم الشرعي في أغوار أفريقيا، بل كان البكاء يعم أرجاء المسجد الكبير والعبرات تخنق زملاءه في العمل، حيث فقدوا باستشهاده بسمة كان يرسمها على وجوههم في كل مرة يوصيهم بها بتقوى الله في العمل والهمة لجعل المسجد الكبير منارة علمية ينهل من نورها القريب والبعيد.«الراي» تواجدت في أروقة المسجد الكبير لتلتقط ذكريات الزملاء والأصدقاء مع الشهيد وليد العلي في سنوات العمل معهم، وترصد في لمحة أخيرة ما خلفه العلي وراءه من إنتاج علمي وإنجاز دعوي يشهد له عند الله.مدير إدارة مسجد الدولة الكبير في وزارة الأوقاف رومي الرومي قال لـ «الراي» إن «الحديث عن الأستاذ الدكتور وليد العلي ذو شجون، فقد كنت معه منذ ايام الدراسة ثم ترافقنا مرة اخرى عندما كان مرشدا للحج، ومن ثم تواصلت علاقتنا عندما توليت ادارة الحج في وزارة الاوقاف، وجمعنا الله تحت سقف إدارة واحدة عندما اصبحت مديرا لادارة مسجد الدولة».وأضاف «وجدت في العلي كل خلق حسن، فقد كان حريصا على متابعة كل شاردة وواردة، محباً لأمته أمة الإسلام ومحباً لدينه ويهتم لشؤونهم وحريصا على وحدة الصف ونبذ الفتن والفرقة وحريصا على تنبيه الشباب من مخاطر الارهاب وتتبع دروبه، وكان من اشد المحاربين للارهاب والعنف والتطرف، وداعيا الى الوسطية رحمه الله هو والشيخ فهد الحسيني فكانوا أعلاماً من أعلام دولة الكويت».من جهته، قال إمام وخطيب مسجد الدولة الكبير الداعية الشيخ مشاري الخراز لـ «الراي» (والعبرات تداعب عينيه حزناً) إن «من يقرأ حديثي هو شخص من أحد نوعين اما شخص يعرف الدكتور وليد العلي رحمه الله او شخص لا يعرفه، اما الذي لا يعرف وليد العلي فوالله لو عرفه لأحبه، وأنا لا أعرف أحدا لا يحبه، انظر الآن في وسائل التواصل الاجتماعي كم من عبارة فيها ألم وشوق وحنين للعلي، كم من شخص أثنى عليه ومدحه، فهل يوجد أحد أصلا لا يحبه؟! وهل رأيت أحدا ذمه؟! والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (أنتم شهداء الله في أرضه) انظر الى الشهادات وهي والله مما يعتز بها».وأضاف «أما النوع الآخر، وهو الذي يعرف الدكتور وليد العلي رحمه الله، إذاً انت تعرف عمن أتكلم وانت تعرف عن ماذا أتكلم، هل رآك مرة الدكتور وليد العلي ولم يبتسم في وجهك؟ هل قابلك في مرة ولم يدعُ لك؟ والعلي لو اطلعت على رسائله في جوالك انظر كيف يراسلك كأنه يكتب شعرا فيه محبة ودعاء وسجع، تشعر بأنه يؤلف ويعتني بالرسالة».ولفت الخراز الى ان هذا الشخص الذي دعا لك كل هذا الدعاء في حياته واجبا عليك ان تدعو له بعد مماته وهو أحوج ما يكون الى الدعاء، والآن تدعو له دعاءً من كل قلبك فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، كما كان يدعو لنا في كلامه ورسائله وجب علينا الدعاء له والدعاء في ظهر الغيب مستجاب، ولا تستطيع الكلمات ان توفي الشيخ رحمه الله حقه ولكن أسأل خالق الأرض والسماء أن يجزيه عنا خير الجزاء، إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا بخير منها وارزقنا الفردوس الأعلى.وبدوره، قال مؤذن المسجد الكبير الشيخ عبدالله درويش «تعرفت على الدكتور وليد العلي قبل 13 عاما، بدأت من خلالها في رحلة، تعلمت منه الكثير، هذا العالم الرباني تعلمنا منه كل خلق حسن، وشهدنا حرصه على العمل جادا مجتهدا، يوصينا بالمسجد الكبير خيرا قبل كل سفرة له ويودعنا ويوصينا».وأضاف «تعلمنا منه حسن الخلق ونهلنا من علمه الواسع الغزير وكان حريصا على إبراز دور المسجد الكبير، ويحرص على إقامة الانشطة التربوية والدعوية، وإقامة حلقات القرآن الكريم، وكان من طلبته الشيخ فهد الحسيني الذي ختم القرآن الكريم على يده وأخذ منه الإجازة في الحفظ».ومن جانبه، قال مؤذن المسجد الكبير أيمن محمود إننا نترحم على صاحب الفضيلة الدكتور وليد العلي والشيخ فهد الحسيني وكل من توفى في الحادث معهم، فمنذ خمسة أعوام عرفت الشيخ وليد العلي في هذا المسجد وتعرفنا منه على دماثة الخلق وسعة البال والدروس العلمية الفقهية والعقائدية في برنامجه الذي كان يقوم به بعد صلاة العصر، كما كان حليما صبورا ويحثنا دائما على العمل، وفي شهر رمضان كان يحث القرّاء على ختم القرآن الكريم.

مكتب علم ودين

في داخل مكتب الدكتور وليد العلي في المسجد الكبير كتب يزدحم بها المكان وعلى مقربة منه شماعة علق عليها عددا من البشوت الخاصة به، في مقربة من باب المكتب كانت سجادته التي يقضي عليها سننه الرواتب وغيرها، فالعلم يشع من الرسائل العلمية التي خلفها العلي والكتب التي كانت هديته لكل ضيف يزور مكتبه، وقناني العود والمسك والعطور استبدلها بمسك في جنان الخلد، رحم الله الدكتور وليد العلي.