ورث الأب مبلغاً ضخماً من المال من أحد أقاربه، بعد حالة فقر شديدة عانى منها من الآلام والشدائد ما لا يعلمها إلا الله. كان لا يملك سوى الشيء البسيط، يعمل بجد واجتهاد في أي شيء وفي كل شيء، هو ومن حوله من إخوانه، وبما أوتوا من سبل لضمان العيش الكريم لهم ولعوائلهم، فتمكنوا من تجاوز العثرات والمصائب على الرغم من تلك المعاناة...بعد حصوله على نصيبه من الورث، قرر الركود إلى الراحة بعد رحلة الشقاء المريرة، ولم يفكر أبداً سوى بالاستمتاع بالحياة وأن يعيش يومه، فنسى عمداً أو ربما تناسى ما قد تحمله له الأيام في المستقبل القريب...كبُر أبناؤه، وكان لا يكل أو يمل عن الصرف ببذخ على كل من حوله. ولم يتوقف الصرف على أبنائه وعلى من هم حوله من عائلته، بل تعدى ذلك محيطه القريب، ليستفيد الكثير من الطامعين واللاهثين والمتملقين من ماله، بينما ظل هو لا يفكر ولو بلحظة كيف ينمي ثرواته...كان الأبناء والأهل، وكذلك من هم ليس لهم صلة، يحصلون على ما يريدون، سواء كان ذلك مقبولاً أو معقولاً، ممكناً أو مستحيلاً، بينما كان هو يقول في قرارة نفسه، أن مالي كثير ولن يأتي اليوم الذي سينفد فيه أبداً، وسأستمر في العيش كما هو حالي اليوم...لم يعود الأب الأبناء على العمل وعلى تعزيز ثروته، وتعظيم ماله، وتنميه قدراتهم، وتطوير مهاراتهم، وخلق فرص جديدة وممكنة لاعتمادهم على ذاتهم، لأنه وبكل بساطة كان يعتقد أن ماله لم ولن ينفد أبد الدهر، فكان هو يصرف ولا يبالي، وكانوا هم يعتقدون أن ذلك لن يستمر، ولكنهم بكل بساطة لم يكونوا يملكون سلطةً وقراراً عليه...استمرت الحياة وتغيرت الظروف وانقلبت المعطيات، لأسباب قد يكون أو لا يكون للأب أي سبب فيها، فمن يدري؟ فأحس الأب أن ما كان يعتقده سابقاً كان خطأً، وبدأ يشعر مرة أخرى بخطر مشقة الحياة، وإن كان يريد أن يستمر على ما هو عليه الآن، يجب أن يغير نمط وسلوك حياته، هو ومن حوله أيضاً!...بدأ الأب بالتفكير والبحث عن الخطط الممكنة لفعل ذلك، وهو الذي لم يشغل باله حتى بالتفكير منذ زمن بعيد. ولأنه كذلك، كانت كل خططه وأفكاره صعبة أو مستحيلة، ويعود ذلك وبكل بساطة لأنه لم يتعود على التخطيط السليم، أو ربما لأنه يدرك تماماً أن أبناءه لن يتقبلوا أو يقبلوا أي تغيير قد يضر حياتهم اليومية والمعيشية بشكل مباشر...حاول الأب تطبيق بعض هذه الأفكار، إلا أنها باءت جميعها بالفشل حتى هذه اللحظة، لأنها إما أن تكون غير قابلة للتطبيق ولا تتناسب مع حال أبنائه وأهله، أو أنها وجدت مقاومة ورفضا من أبنائه. أدى ذلك إلى زيادة تعسر حالته، فهو عاجز عن فعل أي شيء مع استمرار صعوبة الحياة اليومية وازدياد مصاريفه الأساسية...لم يجد الأب حتى هذه اللحظة الوصفة السحرية التي قد تنتشله من حالة الغرق المحتومة، وزادت مخاوفه أكثر وأكثر من العودة مرة أخرى إلى ما كان عليه قبل أن يرث هذا المال العظيم، ولكن المتأكد منه أنه حتى هذه اللحظة لا يدري ماذا يفعل!...ماذا عن حال إخوانه؟ بعضهم سار على نهجه، والبعض الآخر كان أشد ذكاءً وحنكة منه، فاستفاد من ورثه في إسعاد أبنائه وأسرته، واستمر في العمل بجد واجتهاد ليعزز ثروته، فاستمر هو ومن حوله حتى هذه اللحظة ينعمون بملذات الحياة...انتهت القصة... كان الأب هو الكويت، وكان الأبناء هم المواطنون، وكان الورث هو النفط، وكان الإخوان هم أشقاؤنا من دول مجلس التعاون الخليجي.boadeeb@yahoo.com