بدا لبنان في اليوم الأوّل ما بعد خروج «جبهة النصرة» من على حدوده الشرقية مع سورية في حال «تطبيعٍ» داخلية مع خلاصات العملية العسكرية التي نفّذها «حزب الله» في جرود عرسال والتي انتهتْ بصفقة تَبادُل بين الحزب و«النصرة» اكتملتْ حلقاتها أمس باستعادة الأول وعلى دفعات أسراه الخمسة الذين كانوا لدى «الجبهة» (منذ نحو عامين) بالتزامن مع دخول أميرها في جرود القلمون ابو مالك التلي ونحو 120 من مسلّحيه وأكثر من 5 آلاف نازح تباعاً الى إدلب عبر 113 حافلة أقلّتهم.وظهرتْ مؤشرات هذا التطبيع في الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء يوم أمس في قصر بعبدا والتي لم تنتقل إليها «عدوى» المواقف المتناقضة حيال الدور العسكري الذي اضطلع به «حزب الله» منفرداً في ما أسماه «تطهير الجرود من التكفيريين» في توقيتٍ اختاره وفق أجنْدته الإقليمية ونجح معه في تحقيق أهداف يعتبرها «استراتيجية» للمحور الذي يشكّل «رأس حربة» فيه وأخرى لا تقلّ أهمية داخلياً على صعيد «تطويع» الواقع اللبناني، سياسياً وشعبياً وإعلامياً الى حدّ كبير، لمصلحة وضعيّته العسكرية ومعادلته القائمة على التعايش بين «الشعب والجيش والمقاومة».واستند هذا «التبريد» الى موقفيْن شكّلا «سقف الحماية» لعدم اهتزاز مفاعيل التسوية السياسية التي تحكم لبنان منذ انتهاء الفراغ الرئاسي. الأول لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي كان اعتبر ما جرى في جرود عرسال «انتصاراً للبنان»، والثاني لرئيس الحكومة سعد الحريري الذي صاغ مَخرجاً «واقعياً» لعملية الجرود حين تحدّث بعد استقباله المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم (مهنْدس التفاوض بين «حزب الله» و«النصرة») عن ان «حزب الله أراد أن يقوم بهذه العملية، والتي أنجزت أموراً في مكان ما، ولكن الجزء الأكبر هو الذي يقوم به الجيش اللبناني وهو المهم بالنسبة إلينا»، موضحاً «ان الحكومة اللبنانية هدفها الأساسي حماية كل الحدود، وعدم السماح لأي من هؤلاء، أكانوا من النصرة أو داعش أو أي فريق متطرف أن يدخل إلى الأراضي اللبنانية، وهذا ما قام به الجيش اللبناني»، ومعتبراً «ان في السياسة هناك أمورا نختلف عليها وأمورا أخرى نتوافق عليها، لكن المهم بالنسبة إلينا هو النتيجة، وهي اليوم أننا وصلنا إلى حل مناسب جداً للدولة اللبنانية، وهو إنجاز كبير».وفيما لم تتمّ إثارة «عملية الجرود» في مجلس الوزراء إلا في شكل عابِر من خلال كلامٍ للوزير علي قانصوه حيّا فيه «انتصار حزب الله» ليردّ نائب رئيس الحكومة وزير الصحة غسان حاصباني (من القوات اللبنانية) مؤكداً على دور الجيش اللبناني، بدا واضحاً ان لبنان الرسمي يحاول احتواء «أضرار» التسليم بدورٍ جديد لـ «حزب الله» عنوانه «تحرير أرض لبنانية من العدو التكفيري» من خلال السعي كي تتولى الشرعية عبر الجيش مهمة دحْر تنظيم «داعش» من جرود رأس بعلبك والقاع (امتداد لعرسال) في عمليةٍ صار محسوماً انها ستحصل وعلى الأرجح في وقتٍ وشيك، وسط تهيُّب دوائر مراقبة من حساسية هذه المعركة التي تنطوي على ألغام عدة من بينها إمكان ان تجرّ وقائعها الميدانية في مساحة جغرافية بالغة الصعوبة وبوجهِ طرفٍ أكثر وحشيّة الى تنسيق مع الجيش السوري و«حزب الله»، وخصوصاً مع وجود 9 أسرى ما زالوا في قبضة «داعش» منذ أسْرهم خلال مواجهات عرسال الدموية في 2 أغسطس 2014.ورغم تَركُّز الاهتمام في بيروت على مرحلة ما «بعد النصرة» وفي حين يفترض ان يكون الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله لاقى في إطلالته التلفزيونية ليل أمس مناخ التبريد الداخلي متطرقاً الى المعركة المرتقبة مع «داعش»، فإن الفصل الأخير من صفقة التبادل بين «الجبهة» والحزب الذي نُفّذ أمس بقي محور متابعة حثيثة طوال ساعات النهار وصولاً الى إطلاق الأسرى الخمسة لـ «حزب الله» حسن نزيه طي، مهدي هاني شعيب، موسى كوراني، محمد جواد علي ياسين وأحمد مزهر من عمشيت (كانوا أُسروا عند اطراف بلدة العيس في ريف حلب قبل نحو عامين).وكان بارزاً ان «حزب الله» تعمّد طلب ان يكون أوّل احتفال بعودة أسراه داخل الأراضي اللبنانية في بلدة القاع ذات الغالبية المسيحية، التي تبعد نحو سبعة كيلومترات عن الحدود السورية والتي سبق ان سقط فيها قبل عام ونيّف 5 أشخاص وُجرح 28 آخرين في 8 تفجيرات انتحارية ضربتْها على دفعتين.ورغم ان اختيار القاع وطلب «حزب الله» من بلديتها إقامة احتفال فيها لأسراه (لم تمانع البلدية) مردّه الى موقعها الجغرافي ودخول قافلة الأسرى الخمسة عبر معبر جوسية - القاع، إلا ان أوساطاً متابعة ترى ان الحزب تعمّد تظهير «تمدُّده» ضمن البيئة المسيحية عبر احتفاليةٍ بدأت منذ أولى ساعات صباح أمس عبر رفْع راياته في البلدة التي كان مناصرو «التيار الوطني الحر» (حزب رئيس الجمهورية) فيها يؤكدون فيها «التكامل مع المقاومة».ولم يبدأ إطلاق أسرى «حزب الله» إلا قرابة الثالثة من بعد الظهر حين عبرتْ أوّل قافلة تابعة لـ «النصرة» قوامها 18 حافلة وسيارات إسعاف تقلّ جرحى «الجبهة» نقطة التبادل الجديدة التي حُددت في ريف حماه (معبر السعن) بعدما كانت مقرَّرة في وقت سابق في منطقة الراشدين في مدينة حلب، قبل الدخول الى إدلب. ومع دخول كلّ دفعة حافلات كان يتم تخلية أسير جديد الى ان اكتمل العدد وانتقل الأسرى الخمسة من ريف حماة وصولاً الى معبر جوسيه - القاع.وكانت أولى ساعات مساء الاربعاء حملتْ انطلاق «الحافلات الخضر» من جرود عرسال (وادي حميد الذي قام الإعلام امس بجولات على مقرات النصرة فيه) باتجاه جرود فليطة السورية (القلمون الغربي) مروراً بعدها عبر حمص باتجاه السلمية للوصول الى معبر السعن برفقة الهلال الأحمرالسوري والصليب الأحمر الدولي. وفيما كان «حزب الله» يؤكد ان عدد المسلّحين من «النصرة» الذين غادروا يناهز عددهم 1160، برز تمسُّك اللواء عباس ابراهيم بأن عددهم 120. علماً ان «حزب الله» حرص على تزيين الطريق التي سلكتْها الحافلات براياته الصفر فيما بثّت وسائل إعلام أشرطة مصوّرة لمسلّحي «النصرة» وبعضهم ملثّمون في الباصات.