يقول الكاتب البرازيلي باولو كويلو «لن تدرك قيمتي حتى تفقدني ثم تعثر عليّ من جديد». وبالتأمل في عبارة كويلو، يمكن الاستنتاج منها باختصار: «لن تعرف قيمة وطنك إلا حين تفقده».والفقد كلمة شديدة الألم ترتبط بالفراق الدائم لا الموقت الذي ينتج عنه الافتقاد، وهو شعور لا يعادل مثقال ذرة من شعور الفقد.نفتقد وطننا كلما غادرناه، وعندما نعود له، عودة المشتاق. نخطط لفراق جديد في أقرب إجازة أو فرصة، لثقتنا بأننا لن نفقده مهما افتقدناه.فقدنا وطننا مرة واحدة، وعرفنا معنى ألا يكون لك وطن أو يكون لكن وطن لا تعرف متى تعود إليه أو يعود إليك.لقنا العالم درساً في كيفية استعادة أوطانهم بإرادتهم لا بأموالهم، وإن كان المال عنصراً مسانداً لا يعيبنا أننا لم نهدره بل ادخرناه واستثمرناه لذلك اليوم الذي عثرنا فيه من جديد على وطننا. عدنا وعادت معنا أطباع لم تكن من طباعنا، ولم يلمنا أحد لصعوبة ما مررنا به.ومرت الأعوام، العام تلو العام، حتى أدركنا السنة السابعة والعشرين، وبدأنا نفارق الذين عايشوا ذلك اليوم ونتعايش مع الذين لم يدركوه، وبين الاثنين انحسرت كل الدروس التي تعلمناها من تجربة الغزو المريرة.حتى صرت أعتقد أن الدرس الذي لقناه للجميع الآن في ذكرى الغزو أن الكويتي تستفزه عبارة «الله يرحم صدام»، وأعلم أن اعتقادي مستفز للجميع، حتى أنا، لكن إذا كان واقعياً مستفزاً، كيف لا أستَفِز وأُستَفَز؟منذ أن صرنا نتقاتل حول الرحمة التي هي من صفات الرحمن المطلقة لا مشكلة لنا إلا مع الذين يتحدثون باسم الله وهم معنا شركاء لوطن فقدوه، وبدلاً من أن يدركوا قيمته على ما قال كويلو، أفقدوه قيمته وخذلوه وأعادوا ذكرى الغزو من الداخل في ذكرى غزو الخارج الذي اختلفوا عليه أيضاً إن كان عراقياً أم صدامياً ووسط الخلاف فإن الكويت لم تتغير لكن الكويتيين تغيروا حررا ولم يتحرروا.ولعل مشكلتهم مع باولو كويلو أنه لم يكن كويتياً، بل كان مجرد وافد برازيلي كل مشكلته أنه حين قال ما قاله لم يشهد غزو الكويت، لننسف آراءه ونغير أقواله.reemalmee@