إن الحياة بحر متلاطم الأمواج لا يحسن اجتيازه إلا المجيد، ورغم ذلك يجد الإنسان نفسه يسبح فيه رغما عنه، فكيف يتسنى له ركوب أمواجها، وأحداثها المتلاحقة من كل جانب تجعل البحر مضطربا مخيفا؟لذا، يجب أن تكتسب الدراية الكافية في التعامل معها فبحر الحياة بحر رائع مليء بالنعم التي وهبها الله لنا، وجعلنا أمناء عليها وعلينا أن نصون الأمانة، وهي على كثرة نعمها تحفها النقم التي يجب أن نحذرها ونبتعد عنها، فالحياة خضرة حلوة، وهي أجمل مما نتصور عندما نعرف كيف نعيشها، وبالمقابل هي جحيم مقيم وبلاء عميم على من يجهل طبيعتها، لكن هناك من يجيدون ركوبها ويستمتعون بها، فكن مثلهم في تعاملك معها، لا تنتظر أحدا يمد لك يد العون، بل حاول جاهدا لكي تقف من جديد ولا تفقد بهجة حياتك، فقد تواجهك الدنيا بشتى أمواجها.ستأتيك موجات الفرح فاستمتع بها كثيراً ولا تجعلها تمر من بين يديك مر السحاب، فاللحظات الحلوة لابد من اقتناصها، ولا تكن ممن إذا ضحكوا كثيرا توقعوا الكدر فقالوا: «اللهم اجعل ضحكنا خيرا»، وكن في زمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «تفاءلوا بالخير تجدوه».وستأتيك أموج الحزن فتغلب عليها بالصبر والاحتساب، ولا تجعلها تسيطر عليك فتعكر صفوك وتحرمك استمتاعك بالحياة، فما خلق الحزن إلا لنشعر معه بلذة الفرح، واعلم أن الله وضع لك في طياته السعادة، وخلق مع التكدير التيسير، وتذكر دائما قوله تعالى «فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا».وستصيبك موجة الألم فصارعها حتى تصرعها، وكن كراكب البحر الذي تفاجئه موجة عالية ولكنه بقوة الإرادة والأمل يخرج منها سالما، فاجعل التفاؤل سفينة تركبها لتلاطم بها كل العواصف.وسيحيطك طوفان الحب فتعامل معه بحذر، فرغم ما يمنحك من متعة إلا أنك ستجد فيه العذاب، فتمسك بقول سيدنا علي كرم الله وجهه: «أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وابغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما»، فالقلوب بين يدي الرحمن يقلبها سبحانه كيف يشاء.واعلم أن هناك موجات ستأتيك فترفعك معها إلى أعلى عليين، وأخرى ستلطمك فترديك إلى أسفل سافلين، لأن الحياة هكذا، يوم لك ويوم عليك، ولو دامت لك ما اتصلت لغيرك، فاقبلها على عواهنها تكن أرضى الناس.ماذا لو أدركنا كنهها جيدا من وصف الله تعالى لها؟ لقد قال عنها: «الحياة الدنيا»، فوصفها سبحانه أنها مجرد دنيا، رحلتنا فيها لن تدوم طويلا فنحن على متن سفينتها مجرد ضيوف، ماذا لو وضعنا كل الهموم والغموم والأحزان والآلام في صندوق حديدي وأحكمنا إغلاقه ثم ألقيناه في عمق بحر الظلمات؟ ماذا لو ابتسمنا لـكل نائبة تقبلنا الحياة كما هي بقليل حلوها وعظيم مرها؟ولنكن على يقين أنه لو كانت الحياة سعيدة كما نتمنى لكانت جنة، لكنها دنيا، مجرد دنيا من سماتها الزوال، فما الذي يهمنا ويحزننا فيها ما دمنا نعلم بقرب زوالها، وحتمية رحيلنا منها؟ فلنعش لحظاتنا فيها برضا وكرامة، ولنرحل عنها بابتسامة.hanaank64@yahoo.com