وقال أحمد بن سعيد البغدادي:«وأما حقيقة هذه الطائفة فإنها حنبلية المذهب وجمع ما ذكر المؤرخون عنها من جهة الاعتقاد محرف، وفيه تناقض كلي لمن اطلع عليه بتأمل، لأن غالب مؤرخي الشرقيين ينقلون عن الكتب الإفرنجية، فإن كان المؤرخ المنقول عنه صاحب دراية وصادق الرواية تجد أن من يترجم كتابه يجعل الترجمة على قدر اللفظ فيضيع مزية الأصل، وإن كان المؤرخ غير صادق الرواية فمن باب أولى ومنهم من يقول إن هذه الطائفة تنهى عن وصف النبي عليه الصلاة والسلام بأوصاف المدح والتعظيم، ويقول إنها تؤمن بقدم القرآن، وبهذا يظهر بدهية التناقض، لأن من يؤمن بقدم القرأن يؤمن بما فيه، وفي القرآن الشريف مدح النبي عليه الصلاة والسلام، قال تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما}، وآيات غير هذه كثيرة.أما ما نهى عنه محمد بن عبدالوهاب فإنما هو الوصف بأوصاف الألوهية كالقدرة والإرادة وعلم الغيب كما وصف النصارى عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد». ومن أراد أن يعرف جلياً اعتقاد هذه الطائفة فليطالع كتب مذهب الإمام أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - فإنه مذهبهم... إلى أن قال رحمه الله: «وهذه الطائفة بريئة مما ينسب إليها الجاهلون، ومن سبها يأثم، والله أعلم بغيبه وأحكم».يقول الأستاذ محمد كرد علي - رحمه الله - في كتابه «القديم والحديث» في أهل نجد: «وما ابن عبدالوهاب إلا داعية، هداهم من الضلال، وساقهم إلى الدين السمح، وإذا بدت شدة من بعضهم، فهي ناشئة من نشأة البادية، وقلما رأينا شعباً من أهل الإسلام يغلب عليه التدين والصدق والإخلاص، مثل هؤلاء القوم. وقد اختبرنا عامتهم وخاصتهم سنين طويلة فلم نرهم حادوا عن الإسلام قيد أنملة، وما يتهمهم به أعداؤهم فزور لا أصل له».وقال الدكتور محمد عبدالله ماضي في كتابه «حاضر العالم الإسلامي»: «كما بُعث الرسول محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - بين العرب، وهم في فوضى شاملة، وانحطاط عام، وتفكك وانحلال، ليس لهم وحدة تربطهم، ولا فكرة صالحة تجمعهم، فنشر مبادئ الإسلام بينهم، وجمعهم على التوحيد، فوحَّد بينهم في العقيدة، فأصبحوا يدينون بمبدأ واحد، ويعبدون الله وحده، فوحَّد بينهم في المظهر، وجعل منهم أمة واحدة عربية مسلمة، قوية عزيزة الجانب، وأقام لهم دولة على أساس من الدين الحنيف.فكذلك أخذ المصلح الديني، والزعيم الإسلامي محمد بن عبدالوهاب في منتصف القرن الثاني عشر الهجري يدعو إلى تصحيح العقيدة، والرجوع إلى مبادئ الإسلام الصحيحة، واعتناقها من جديد بين النجدين وكانوا قد فسدت عقيدتهم، وضلت سيرتهم».وقال الدكتور محمد ضياء الدين الريس (1912 - 1977) أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة فؤاد الأول: «والوهابيون يتبعون في فروع الأحكام حيث الفقه، مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وفي العقائد مذهب أهل السنة، وبخاصة - كما قررها وفسرها الإمام السني، العلامة ابن تيمية وابن تيمية هو الأستاذ لابن عبدالوهاب، وإن فصل بينهما أربعة قرون، فقد قرأ كتبه وتأثر كل التأثر بتعاليمه، والمبادئ الأساسية للدعوة الوهابية هي تنقية معنى التوحيد من شوائب الشرك، ظاهرة وخفية، وإخلاص الدين لله، وعدم الالتجاء إلى غير الله، وعدم الغلو في تمجيد الرسول بما يخرجه عن حدود الطبيعة البشرية، وتحديد معنى الرسالة التي كلف بإبلاغها.ومصادر العقيدة هي: الرجوع إلى مذهب السلف في فهم الدين، وتفسير آيات القرآن، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.وتكره الوهابية التعقيدات التي أدخلها المتكلمون والفلاسفة والصوفية، ولا مانع من الاجتهاد، كما يرون ضرورة القيام بواجب الجهاد.وهذه الحركة كانت نهضة أخلاقية شاملة، ووثبة روحية جريئة ودعوة إلى دين الحق والإصلاح.فقد أيقظت العقول الراقدة، وحركت المشاعر الخامدة، ودعت إلى إعادة النظر في الدين، لتصفية العقيدة، وتطهير العقول من الخرافات والأوهام، فقد احتوت على مبدأين، كان لهما أكبر الأثر في تطور العالم الإسلامي وتقدمه، وهما: الدعوة إلى مذهب السلف – مع الاعتماد على الكتاب والسنة – وتقرير مبدأ الاجتهاد، فكان هذان المبدآن أساساً لنهضة فلسفية روحية.والواقع أن كل حركات الإصلاح التي ظهرت في الشرق، في القرن التاسع عشر، كانت مدينة للدعوة الوهابية، لتقرير هذه الأصول.ويمكن تحديد الصلة بينها وبين كل من هذه الحركات، إما عن طريق الاقتباس أو المحاكاة أو مجرد التأثير».وقال الزركلي في الأعلام في ترجمة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، «إنه كان ناهجاً منهج السلف الصالح وداعياً إلى التوحيد الخالص وترك البدع وتحطيم ما علق بالإسلام من الأوهام، وكانت دعوته الشعلة الأولى لليقظة الحديثة في العالم الإسلامي، كله تأثر بها رجال الإصلاح في الهند ومصر والعراق والشام».