التاريخ على مر عصوره وسالف أزمانه لم يخلُ من جماعات ادعت أنها خير الأمم على وجه الأرض، فعلت وتكبرت، ثم ظلمت وبطشت وتجبرت، وادعاء تلك الجماعات بأن الخيرية لها، ربما كان السبب فيه نعماً أنعم الله بها عليها، ولم يتفضل بها على من سواها، فاعتقدت تلك الأمة أن ذلك دليل منٍّ وآية عطاء، وذلك ما حصل مع اليهود فقد أعطاهم الله من النعم ما لم يعطِ أحداً من العالمين فقال عز من قائل «يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين» وقد شهد لهم موسى عليه السلام بالأفضلية في موضع آخر في قوله «قال أغير الله أبغيكم إلهاً وهو فضلكم على العالمين».وتفضيل الله تعالى لبني إسرائيل لا يعني أنهم خير أمة، فقد يكون تفضيلهم على غيرهم لناحية أنه بعث إليهم عدداً من الرسل لم يرسلهم لأحد من قبلهم. وقد يأتي التمييز من جهة أن اليهود منحهم الله عطايا لم يمنحها لأحد من خلقه، ولربما كانوا خير الأمم، ولكن قبل أن يرتكبوا من المُوبقات ما نزل بهم إلى حضيض الأمم، فلم يذكر التاريخ أن أمة قتلت رسلاً وأنبياء مثل ما قتل اليهود، وقد صور القرآن الكريم ذلك في قول الله تعالى «أو كلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون»...وعلى فرضية أن بني إسرائيل كانوا خير الأمم، فتلك الخيرية كانت قبل وجود أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وكما قال العلماء «إن المعدوم في حال عدمه ليس بشيء حتى يُفضل أو يُفضل عليه»، أي أن الخيرية إذا كانت تحققت لليهود قبل مجيء خاتم الأنبياء والمرسلين وأمته فإنها قد انتفت على أرض الواقع بظهور خير البشر الذي أصبحت أمته خير الأمم.ولكن السؤال بم استحقت أمة محمد هذا اللقب؟، وكيف نالت تلك المكانة؟، خصوصاً وأن هذه الخيرية لها مواصفات لا بد من توافرها، وعناصر لا بد من تحققها، فقد فسر الله تعالى استحقاقهم لها بقوله «تَأْمُرُونَ بالمعروف وَتَنْهَوْنَ عَنِ المنكر وَتُؤْمِنُونَ بالله»، وهذا يعني أنه إن تخلف عنصر من هذه العناصر، انحلت عنكم الخيرية، لأنها بذلك المعنى تعني أن الأفضلية ستظل فيكم ما دمتم متمسكين بصفاتها من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر وإيمان بالله... فهل نحن مطبقون لتلك العناصر في زماننا هذا؟ هل نأمر بالمعروف؟ هل ننهى عن المنكر؟ بل هل نؤمن بالله حق الإيمان؟! وإذا ما غابت عنا تلك العناصر فهل يعني ذلك أننا لم نُعد خير الأمم؟.أسئلة كثيرة تدور في الخُلد ولا يجد الإنسان منا إجابة عنها، لاسيما بعد أن تخلينا عن المنهج الإلهي الذي رسمه الله لنا لنسير عليه، ونسينا عدونا الحقيقي وأصبحنا نتقاتل في ما بيننا، ونزهق أرواحنا بأسلحة أعدائنا التي صُدرت لنا، ومن قبلها صدر إلينا فتنة باتت تأكل الأخضر واليابس في جسد أمتنا المتهالك، وأمسى الواحد منا لا يدري في أي درب يسير بعد أن تقطعت بنا السبل فسرنا لا نقوى على السير... ولكن رغم كل ما يحدث فإن الضوء في نهاية النفق يؤكد أننا عائدون إلى مجدنا القديم ليتحقق قول الله تعالى «وإن عدتم عدنا»، ولنبقى كما أراد الله لنا أن نكون «كنتم خير أمة أخرجت للناس».
متفرقات - إسلاميات
كنتم خير أمة
10:07 م