إعداد: عبدالعليم الحجارلعل أشباح الأمراض والالتهابات والعدوى هي أول ما يتبادر إلى أذهان كثيرين فور سماع أو قراءة كلمة «بكتيريا» أو كلمة «ميكروبات». لكن حقيقة الأمر هي أنه مثلما أن هناك بكتيريا وميكروبات ضارة ومسببة للأمراض، فإن هناك أنواعا أخرى نافعة ومفيدة لصحة وعافية جسم الإنسان.وفي إطار تلك الأنواع النافعة، برز منذ نحو 4 عقود مصطلح الـ «بروبايوتِكس» (Probiotics) الذي يشير تحديدا إلى «أي كائنات حية مجهرية يؤدي تناولها بكميات مناسبة إلى منح فوائد صحية للجسم المستضيف لها»، وذلك وفقا للتعريف الذي أقرته منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة.ومنذ أن تزايد انتشار انتاج وتسويق مستحضرات الـ «بروبايوتِكس» (ومفردها «بروبايوتِك») على نطاق تجاري واسع حول العالم منذ العام 2000 تحديدا، أثيرت حولها نقاشات ومجادلات كثيرة ما بين المؤيدين لها ولمنافعها من جهة والمنتقدين لها والمشككين في فوائدها من جهة ثانية.لذا، نسلط ضوءا تعريفيا في التالي على بعض جوانب وأبعاد الـ «بروبايوتِكس» ومستحضراتها وعلاقتها بالصحة.يشير مصطلح «بروبايوتِكس» إلى مجموعات وسلالات معينة من البكتيريا والخمائر النافعة التي تستطيع الحياة والتكاثر في الأمعاء الدقيقة للإنسان من دون أن يتسبب تكاثرها في إيذاء صحته، وتتألف غالبيتها بشكل أساسي من بكتيريا الـ«لاكتوباسيلاس» (بكتيريا حمض اللبن أو «العصيات اللبنية») وبكتيريا الـ«بايفيدوبكتيريام» بسلالاتيهما المختلفة، إلى جانب أنواع أخرى من الخمائر.وقد شهدت السنوات العشرة الماضية تحديدا تزايدا ملموسا في أعداد ووتيرة الأبحاث العلمية حول أهمية البكتيريا النافعة، وأسفرت تلك الأبحاث عن إنتاج منتجات تجارية تحوي أنواعا معينة من تلك البكتيريا بهدف تخفيف حدة وأعراض بعض المشاكل الصحية. وأصبح أي واحد من تلك المنتجات يعرف باسم «مُستحضَر بروبايوتِك» .وتتميز بكتيريا وخمائر الـ «بروبايوتِكس» بكونها تفرز في الجهاز الهضمي لمن يتناولها عددا من الأحماض العضوية المفيدة، وهي الأحماض التي تسهم - بالتعاون مع الإنزيمات التي يفرزها الجهاز الهضمي البشري - في تحليل البروتينات والسكريات والدهون والألياف المركبة التي تصل إلى الأمعاء مع ما يأكله الشخص.ومن المعروف أنه لا يتم هضم الطعام بشكل جيد إلا في وجود كمية كافية من تلك البكتيريا النافعة التي تشكل جزءا من «النبيت المعوي» المؤلف من بكتيريا وفطريات وطفيليات، إلى جانب نسبة ضئيلة من أنواع الفيروسات. وتلك البكتيريا المفيدة تساعد الأمعاء على استخلاص وامتصاص المغذيات من الطعام.وفي الحالات الطبيعية، تحتوي أمعاء الإنسان نسبتين من البكتيريا النافعة والضارة، ألا وهي 85 في المئة بكتيريا نافعة و15 في المئة بكتيريا ضارة. وفي حال حدوث اختلال في تلك النسبة لصالح البكتيريا الضارة فإن الأمعاء لا تقوم بدورها بسلاسة، ما يزيد احتمالية الإصابة بالأمراض.ويؤكد مؤيدو الـ «بروبايوتِكس» على أن أهميتها تكمن في أنها تلعب دورا مهما يسهم في الحفاظ على التوازن الحيوي الضروري بين مختلف أنواع البكتيريا التي تعيش في أمعاء الإنسان، وذلك عل نحو يضمن بقاء وتكاثر أنواع البكتيريا المفيدة للصحة تحديدا. فبكتيريا الأمعاء المفيدة تنتج مضادات أكسدة وأحماض عضوية ومواد قلوية تحافظ على البيئة الحيوية الملائمة في الأمعاء، وهذا يسهم بدوره في تعزيز والحفاظ على صحة الإنسان من خلال تخليصه من تراكمات السموم ومنع امتصاصها، كما أنها تنظم عملية إخراج الفضلات (البراز) من الجسم بشكل يومي سلس.وفي سياق وجهات النظر المختلفة حول تلك القضية، هناك تساؤل مهم ما زال قائما ألا وهو: هل مستحضرات الـ «بروبايوتِكس» التي تباع تجاريا تُعتبر أدوية لمعالجة أمراض أم هي مكملات غذائية لا أكثر؟لسنوات عدة لم يكن هناك اتفاق أو إجماع حول إجابة حاسمة عن هذا السؤال، ومع ذلك فإن الرأي الأرجح الذي تميل إليه منظمة الصحة العالمة بعد أبحاث ومشاورات مع أهل الاختصاص هو أن مستحضرات الـ«بروبايوتِكس» تندرج ضمن المكملات الغذائية التي يمكن تعاطيها بشروط محددة وتحت إشراف طبيب من أجل تحقيق فوائد لصحة الجسم العامة.لكن في المقابل، ما زال ممارسو واختصاصيو الطب البديل والطب التكميلي يصرون على تصنيف الـ «بروبايوتِكس» باعتبارها «أدوية عضوية» يمكن أن تساعد على الشفاء من أمراض عدة تصيب أجهزة الإنسان، ولا سيما جهازه الهضمي.وهناك ما يعزز وجهتي النظر . فقد أسفرت نتائج بعض التجارب التي أجريت في هذا الصدد عن اكتشاف فوائد لمستحضرات الـ «بروبايوتِكس»،وهي الفوائد التي تتراوح بين كونها وقائية وغذائية وعلاجية. كما ركزت أبحاث حديثة متقدمة على دراسة البيولوجيا الجزيئية والمورثات الخاصة ببكتيريا الـ «لاكتوباسيلوس» (بكتيريا العصيات اللبنية) إلى جانب دراسة تفاعلات الـ «بروبايوتِكس» مع جهاز المناعة، وإمكانية اسهامها في مكافحة السرطان، وإمكانية استخدامها في كعلاج بيولوجي عضوي في حالات الإسهال المرتبط بالمضادات الحيوية وإسهال المسافرين وإسهال الأطفال ومرض القولون الالتهابي.وتجاريا، تتوافر مستحضرات الـ «بروبايوتِكس» في أشكال متنوعة من بينها كبسولات تحوي أنواعا من البكتيريا المفيدة، لكن جميع المختصين في هذا المجال يحذرون من الإقدام على تعاطي مثل تلك الكبسولات من دون استشارة طبيب مختص، إذا ان إساءة تعاطيها بأي شكل قد يسبب لمتعاطيها مشكلات صحية، وبالأخص الأشخاص المصابين بنقص المناعة.كما أن معظم كبريات شركات الألبان حول العالم أصبحت تضيف نسبا معينة من الـ «بروبايوتِكس» الى منتجاتها وتقوم بتسويقها على أساس أنها مفيدة لصحة الجهاز الهضمي. وقد يكون اللبن المحتوى على كميات محدودة من البكتيريا المفيدة أفضل وأسلم صحيا لعامة الأفراد من الكبسولات التي تحوي كميات كبيرة من البكتيريا الحية.

فوائد مُحتملة... وقائياً وعلاجياً

كشفت أبحاث وتجارب اكلينيكة أجريت بتكنولوجيا البيولوجيا الجزيئية عن أن مستحضرات بكتيريا الـ «بروبايوتِكس» تمنح فوائد ومنافع محتملة متنوعة منها ما هو وقائي ومنها ما هو علاجي. لكن يجب التنبيه في الوقت ذاته إلى أن تلك الأبحاث ما زالت محدودة نسبيا كما نتائجها تعتبر أولية.ومن بين تلك الفوائد المحتملة نذكر ما يلي:• المعالجة والوقاية من جرثومة المعدة.• تقليص حدة التأثيرات الجانبية التي تنجم عن المضادات الحيوية.• معالجة الإمساك الوظيفي (الذي لا سبب عضويا له) والذي يكون سببه غالباً تحول الرضيع من الرضاعة إلى الأكل أو إضافة وجبات من الغذاء بجانب الرضاعة أو في بدايات دخول الأطفال إلى المدارس.• المعالجة الوقائية للأطفال غير مكتملي النمو ممن يكون وزنهم أقل من كيلو غرام واحد.• الوقاية والعلاج من إسهال المسافرين وإسهال الأطفال ومرض القولون الالتهابي.• تخفيف حالة عدم تحمُّل اللاكتوز.• تخفيف آلام مغص الأطفال الرضع من عمر يوم الي 6 أشهر.• معالجة الإسهال الحاد والمزمن سواء كان منشأه بكتيريا، أو فيروسيا أو طفيليا، حيث إنها تحوي مادة الروتيرين التي تثبط البكتيريا وتمنع نموها، كما تكبح نشاط الفيروسات أيضا.• الوقاية من سرطان القولون.• خفض مستوى الكوليسترول في الدم.• خفض ضغط الدم.• تحسين الوظيفة المناعية ومقاومة الإصابة بالعدوى.• معالجة الإسهال الناجم عن المضادات الحيوية.• تخفيف الالتهابات الموضعية.• كبح نمو البكتيريا الضارة.• تلطيف أعراض متلازمة القولون العصبي ومعالجة التهابات القولون.• ترميم خلايا بطانة القناة الهضمية.• تحويل السكريات إلى أحماض دهنية قصيرة كحمض البيوتريك الذي يشكّل الوقود للبطانة المعوية ويعمل على تجديدها باستمرار.• مكافحة بعض حالات العدوى التي تصيب الجهاز الهضمي والبولي والتناسلي، فهي تسهم في منع تكاثر أنواع من البكتيريا مثل السالمونيلا، وجرثومة المعدة، والإيكولاي وبعض الفطريات مثل الكانديدا. كما أنها تسرّع الشفاء من الإسهال الناتج عن بعض حالات التسمم الغذائي.• تحفيز عمل الجهاز المناعي، إذ إنّها تعمل على زيادة عدد الخلايا المناعية في الجسم وتؤثر على 70 في المئة من المناعة عن طريق الأمعاء.• تنشيط عملية إنتاج أحماض اللبنيك والخلّيك اللذين يحاربان البكتيريا الضارة ويمنعاها من غزو الجسم.• تقليص الاستجابات الإلتهابية التحسسية عن طريق تثبيط حساسية الأمعاء ضد الأطعمة المسببة للحساسية.

تأثيرات جانبية... تستوجب الحذر!

صحيح أن مستحضرات الـ «بروبايوتكس» تُصنع باستخدام أنواع من البكتيريا الآمنة نسبيا والنافعة للجسم، لكن هذا لا يعني أنها ليست لها تأثيرات جانبية محتملة. لذا فإنه من المهم التحذير من تلك التأثيرات التي قد يعاني منها من لا تناسبة تلك البكتيريا أو من يسيء تعاطى تلك المستحضرات.فتركيبة بكتيريا الأمعاء فائقة التعقيد والحساسية، وأي تغيير يطرأ عليها قد يؤدي إلى استثارة تفاعلات وتأثيرات جانبية عكسية وغير مرغوبة.وعلى سبيل المثال، فإن تلك التفاعلات والتأثيرات العكسية تكون مرجحة لدى مرضى نقص المناعة، ومتلازمة الأمعاء القصيرة، ومن يستخدمون القسطار الوريدي المركزي، ومرضى صمامات القلب، والأطفال المبتسرين (الخدج). ولدى الأشخاص المصابين بحالات حادة من مرض الأمعاء الالتهابية، يكون هناك خطر تسلل أو «هجرة» بكتيريا «بروبايوتكس» حية من القناة الهضمية إلى أعضاء داخلية أخرى، وهو الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى أعراض مرضية شديدة الحدة.وفي بعض الحالات النادرة الأخرى، تنطوي مستحضرات البروبايوتكس على خطر تسمم أو تعفُّن الدم بالبكتيريا أو بالفطريات، وبالأخص لدى الأطفال المصابين بقصور في وظائف جهاز المناعة.وفي ضوء ذلك يتضح أن من الضروري ألا يتعاطى أي شخص مستحضرات الـ «بروبايوتكس» إلا تحت إشراف طبيب متخصص ليتأكد من انتفاء أي احتمالات لحدوث مثل هذه التأثيرات العكسية الضارة المحتملة. كما يوصى أيضا بمراعاة تناول أغذية صحية للحفاظ على توازن بيئة التركيبة البكتيرية داخل الجهاز الهضمي، مع التقليل قدر المستطاع من تعاطي المضادات الحيوية والاستعاضة عنها بعلاجات بديلة مناسبة بعد استشارة طبيب.

مُستحضر الـ «بروبايوتِك» متى يُعتبر دواءً؟

توصّل باحثون إلى مواصفات وشروط محددة يجب أن تنطبق على أي مستحضر «بروبايوتِك» كي يتم اعتباره علاجا. فمن خلال تجارب مكثفة، اتضح أن تلك الشروط والمواصفات تطبق بشكل كبير على أنواع معينة من البكتيريا، وأهمها بكتيريا «لاكتوباسيلاس روتري»، حيث أثبتت دراسات متقدمة أن المستحضرات التي تحوي هذا النوع تحديا من البكتيريا هي الأفضل والأنجع في معالجة كثير من الأمراض والوقاية من أخرى.في التالي أهم 3 شروط ينبغي أن تتوافر في اي مستحضر «بروبايوتك» كي يتأهل إلى اعتباره دواء لمعالجة أمراض:• أن يحوي المستحضر نوعا واحدا ومحددا من البكتيريا الحية المعرّفة بالعائلة والمجموعة والنوع.• أن تتمتع بكتيريا أو خميرة الـ «بروبايوتك» المستخدمة فيه بالقدرة على التحمّل، بمعنى أن تبقى تتحمل ظروف جميع مراحل الجهاز الهضمي.• أن تصمد البكتيريا وتبقى على قيد الحياة لمدة 5 أيام على الأقل في الجهاز الهضمي حتى تتمكن من تكوين واستنبات مزرعة.للتواصل مع الملف:alrai.pulse@gmail.com