كشفت مصادر ذات صلة لـ «الراي» أن بنك الكويت المركزي رفع سعر الفائدة على عمليات إعادة الشراء أو ما يعرف باسم الريبو (Repurchase agreement) مع البنوك بواقع ربع نقطة مئوية ابتداء من إصدارات اليوم الأحد.وأفادت المصادر أنه سيقابل رفع أسعار «الريبو» رفع مماثل من البنوك على أسعار الفائدة التي تمنحها على ودائع العملاء الجديدة أو المتجددة، فوق أسعارها المعلنة تزامناً مع تاريخ رفع سعر الفائدة على «الريبو».والمقصود بـ «الريبو» هنا، السعر الذي يستخدمه «المركزي» ضمن اتفاقية إعادة شراء الأوراق المالية الحكومية من البنوك التجارية للسيطرة على المعروض النقدي، حيث تعد هذه الآلية بمثابة عقد يقوم من خلاله الناظم الرقابي بشراء إصدارات أدوات الدين العام نيابة عن الحكومة، على أن تقوم الأخيرة بإعادة شرائها مرة أخرى، في مسعى من صانع السياسة النقدية لتمكين البنوك من التغلب على أزمات نقص السيولة المتاحة لديها.وكان مجلس إدارة «المركزي» أبقى في اجتماعه الأربعاء الماضي على سعر الخصم عند مستواه الحالي البالغ 2.75 في المئة والمعمول به منذ 16 مارس 2017، وذلك رغم قرار الفيديرالي الأميركي رفع الفائدة بربع نقطة مئوية الى هامش 1.25 في المئة، في خطوة لاقت استحساناً مصرفياً واسعاً.وبينت المصادر أن «المركزي» شدّد على البنوك بضرورة الالتزام بالتعليمات الجديدة، وأنه يتعين على كل بنك رفع الأسعار التي يقدمها على ودائعه من اليوم، غامزاً من قناة إمكانية قيامه بعدم تنفيذ أي عمليات إعادة شراء لسندات الدين العام مستقبلاً من البنوك المخالفة كإجراء عقابي لها.ومعلوم أن الأسعار التي تقدمها البنوك على ودائع العملاء تختلف من مصرف لآخر، حسب احتياجه، وفي رصد أجرته «الراي» على أسعار الودائع المتداولة في الوقت الحالي لوحظ أن أقل الأسعار المقدمة على فترة السنة تقارب 1.8 في المئة، في حين تصل أعلى الأسعار لدى أحد البنوك التي تعمل وفقا للشريعة الإسلامية إلى 2.5 في المئة، لكن متوسط الأسعار السائد بين البنوك يتراوح بين 2.1 و2.25 في المئة.ومع تنفيذ التعليمات الجديدة من المرتقب أن يصل متوسط سعر الفائدة على عقود الودائع الجديدة لأجل سنة إلى 2.5 في المئة، فيما سترتفع أكثر على الآجال التي تتجاوز عاماً واحداً بواقع ربع نقطة أيضا، حيث سيكون على البنوك المعتادة على تقديم أسعار منخفضة تغيير خططها الاقتراضية عبر ودائع العملاء، والاستقامة مع لائحة الأسعار الجديدة استجابة لمقتضيات المنافسة الملتهبة بينها.ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كان رفع الفائدة سينسحب على الودائع قصيرة الأجل فقط باعتبار أن تعاملات «الريبو» أيضا قصيرة وتتراوح بين الآجال التي تزيد على ليلة واحدة و3 أشهر، أم ستمتد لتشمل جميع آجال الودائع؟ إلا أن مصادر مصرفية رجحت أن يكون الرفع المرتقب على أسعار الودائع قصيرة الأجل باعتبار أن البنوك تمنح بالفعل أسعارا خاصة على الودائع طويلة الأجل.ووفقاً لتقرير صدر أخيرا من «بيت التمويل الكويتي» عن تطور حجم الودائع في الجهاز المصرفي، فإن الودائع المصرفية بلغت نحو 42 مليار دينار، بنمو سنوي وصل في مارس الماضي إجمالي الودائع إلى نحو 2.4 في المئة، ليتجاوز النمو بذلك مليار دينار مع ارتفاع سنوي لودائع القطاع الخاص بنسبة 0.3 في المئة، علماً بأن ودائع القطاع الحكومي زادت بنسبة ملحوظة بلغت نحو 14.9 في المئة، وان كانت هذه النسبة لم تصل إلى المستويات المرتفعة التي تخطت 20 في المئة بمعظم الأشهر من العام الماضي.ولفتت المصادر إلى انه من غير المقرر أن يتم رفع أسعار الفائدة على تعاملات ما بين البنوك (الانتربنك) على أساس أن آلية تسعير هذه السوق تعتمد على العرض والطلب، كما أن «المركزي» يهدف من تعديل أسعار الودائع إلى تحسين عوائد العملاء.ومصرفياً تباينت ردود الأفعال، حيث اعتبر بعض المسؤولين أن هذا القرار سيؤدي إلى تخفيض سقف ربحية البنوك من محفظة القروض، على اعتبار أن العائد الذي ستحصل عليه المصارف من رفع سعر «الريبو» سيتراجع بدفع من ارتفاع تكلفة الأموال التي ستتحملها من زيادة أسعار الودائع.وأشاروا إلى أنه من الناحية المحاسبية لا يمكن موازاة حجم اتفاقيات عمليات «الريبو» التي تنفذها البنوك مع قاعدة ودائعها، فالحالة الأولى مرتبطة بالحاجة وبآجال قصيرة، بعكس ودائع العملاء المتجددة يومياً والممتدة لآجال طويلة.ويعتقد أصحاب هذا الرأي أن من شأن هذا الإجراء أن يزيد من الضغط على ربحية البنوك التشغيلية، كون الرفع سيكون من اتجاه واحد وليس ثنائياً كما جرت العادة، لجهة الودائع والقروض.وفِي هذه الحالة ستضطر البنوك إلى تغطية فارق تكلفة الأموال الإضافية من عوائد التمويل، خصوصا أن سعر الخصم على القروض تم تثبيته ولن يتغير.علاوة أن شيئاً ما لم يتغير على صعيد بيئة الأعمال الاقتصادية المحلية سواء لجهة زيادة الإنفاق الحكومي أو لجهة تعافي الشركات وزيادة أعمالها التشغيلية التي تتطلب توسعها ائتمانيا.لكن هناك من يخالف هذا الرأي، ويدفع بأن ناتج ضرب رقمين في الحسابات المصرفية ليس بالضرروة أن يكون نفسه الذي يعرفه الجميع، حيث توجد لدى البنوك حسابات خاصة تقلل مخاوفها من ارتفاع كلفة أموال الودائع عليها، حتى ان لم يواز ذلك رفع سقف الفائدة على التمويلات.ومن أبرز الاعتبارات المصرفية في هذا الخصوص ترتيب سلم استحقاقاتها، وحاجتها الفعلية لتنظيم السيولة، علاوة على قدرتها على امتصاص السيولة الجديدة التي تسعى لاستقطابها من العملاء.ويعزز أصحاب هذا الرأي وجهة نظرهم بموقف البنوك مع إصدارات سندات الدين العام، والتي تخلت معها عن هاجس ارتفاع كلفة الودائع قياسا بأسعار هذه الإصدارات، لدرجة أنها تنافست على شراء السندات التي طرحتها الحكومة لتمويل عجز الموازنة، بما يقارب 2.5 مليار دينار حتى الآن بأسعار أقل من تكلفة ودائع العملاء، سواء المتعلقة بالأفراد أو حتى الحكومية.وبينوا أن ارتفاع شهية البنوك المحلية على شراء الإصدارات الحكومية رغم انخفاض عوائدها جاء مدفوعاً بأكثر من سبب ليس أقلها انعدام مخاطرها، وعدم احتسابها ضمن أوزان سلم الودائع إلى القروض وحاجتها الملحة لتوظيف فوائض السيولة المتراكمة لديها.وأوضحوا أن مشاركة المصارف في تغطية الدين العام، وقبلها مشاريع كبرى على وزن «الوقود البيئي» زاد من سحوبات الدينار لديها، وبالتالي أصبح الدينار وعاءً جاذباً ستسعى لإعادة ملئه مرة ثانية لتعويض هذه السحوبات، في خطوة ستسعى من خلالها إلى إعادة توجيه هذه الأموال نحو تمويل الاحتياجات الشخصية أو الشركات، أو حتى لتمويل المشاريع التنموية الكبرى، وما سيطرح مستقبلاً من سندات حكومية بما يستقيم مع خططها التشغيلية.وكنتيجة افتراضية لذلك ستظل تنافسية وجاذبية الدينار كوعاء للمدخرات المحلية محافظة على رونقها لدى البنوك حتى وإن ارتفعت تكلفتها ربع نقطة.كما أنه مع ارتفاع تكلفة الأموال على البنوك بدفع رفع أسعار الودائع ربع نقطة سيكون متاحاً لها تعويض الفارق المحقق، من خلال توسيع هامش الربح فوق سعر الخصم المقرر بواقع 2.5 في المئة للتمويلات التي تقل آجالها عن عام وبـ 4 في المئة لأكثر من سنة.وأفادت المصادر بأن البنوك التجارية المحلية لا تستخدم في جميع الأحوال الحدود القصوى لهوامش الربح مع قطاع الأعمال بحافز المنافسة، ما سيعزز خياراتها لجهة تعويض الكلفة الإضافية التي ستدفعها للعملاء من خلال توسعة هذا الهامش.وبالنسبة لقطاع القروض الشخصية ربما لن يكون أمام البنوك هامش أوسع في رفع الأسعار نظراً لأن الهامش المطبق يلامس الحدود المقررة لكن ذلك لن يضغط كثيرا على عوائد البنوك.وبالتالي يكون «المركزي» قد نجح في تحقيق المعادلة الصعبة، فمن جهة يكون أفلح في سحب فائض السيولة من السوق، وفي الوقت نفسه ترك للبنوك خيار رفع تكلفة التمويل بما لا يتجاوز الحدود القصوى.علاوة على ذلك سيؤدي هذا الإجراء إلى تحسين عوائد العملاء، ومن ثم زيادة جاذبية الإيداع وهذا من شأنه المساهمة النقدية في تخفيض السيولة المتداولة في السوق، بما في ذلك أموال الحسابات الجارية وتحويلها إلى أوعية ادخارية تساعد بشكل إضافي في لجم معدلات التضخم.ولعل ما يساند هذا الرأي أكثر التصريحات الأخيرة لمحافظ «المركزي» الدكتور محمد الهاشل، والتي أكد خلالها توافر مساحة مناسبة لدى البنوك المحلية تمكّنها من استيعاب زيادة أسعار الفائدة على الودائع بالدينار في ظل أسعار الفائدة الحالية على القروض والتسهيلات الائتمانية التي تقدمها، آخذاً في الاعتبار الارتباط القائم ضمن هوامش محددة بين سعر الخصم الذي يقرره مجلس إدارة بنك الكويت المركزي والحدود القصوى لأسعار الفائدة على القروض والتسهيلات الائتمانية التي تقدمها البنوك المحلية بالدينار لمختلف قطاعات الاقتصاد الوطني.

«الريبو»... باختصار

تستخدم آلية «الريبو» بهدف ضخ السيولة في الجهاز المصرفي، وعادة ما تتم عمليات إعادة الشراء باستخدام الأوراق المالية الحكومية المحلية، أي أنها كالقروض المكفولة أو المضمونة بضمانة أصول محلية. وتوفّر اتفاقيات إعادة الشراء للبنوك التجارية وسيلة للحصول على مصادر أموال ذات آجال أطول من يوم واحد وبأسعار فائدة أعلى من سعر الإقراض ليوم واحد.كما يعد سعر الفائدة على عمليات «الريبو» مرجعاً تأشيرياً يساعد على توجيه أو تحديد اتجاه أسعار فائدة الاقتراض بين البنوك للآجال الأطول من يوم.• المعارضون:- الإجراء يزيد كلفة الأموال خصوصاً وأن سقف أسعار الاقتراض لم يرتفع- حجم اتفاقيات «الريبو» لا يوازي قاعدة الودائع ما يخفض الربح المرجو• المؤيدون:- سحوبات السندات الحكومية رفعت شهية المصارف لإعادة ملء محفظة ودائعها- بإمكان البنوك توسعة هامش أسعار تمويل الأعمال دون الإخلال بالحدود القصوى