يبدو أن «الشرق شرقٌ والغرب غربٌ... حتى في التعامل مع الأطعمة واحترام سلامة وصحة المستهلك، وحقه الطبيعي في الحصول على الغذاء السليم الخالي من أي مواد غير طبيعية قد تؤثر على الصحة والسلامة العامة». ففي وقت تجد المواد الغذائية المعدّلة وراثياً طريقها إلى أسواق الشرق الأوسط بسهولة ودون رقابة في كثير من الأحيان، تُغلق الفرضات أبوابها في وجه هذه المنتجات في دول الاتحاد الأوروبي، الذي يُلزم المنتجين بوضع ملصقات تعريفية على الأغذية المعدّلة وراثياً، والتي يرفض تناولها الشعب الأوروبي مفضلا الغذاء الطبيعي عليها، فيقتصر تناولها على من لا يعون ماذا تحتوي هذه الأطعمة بداخلها.ولأن الكويت تستورد أغلب غذائها من الخارج، وتلجأ إلى استجلاب الأغذية والأعلاف المعدّلة وراثياً من دول تزرع وتصنّع هذه الأغذية، فإن السؤال يظل مشروعاً: هل يعي المستهلك طبيعة ما يصل إلى يده ومعدته من أغذية، وهل يهتم بقراءة الملصقات أو البطاقات التعريفية الدالة إذا ماكان هذا الغذاء معدّل وراثياً سواء كان مواد خام مثل الخضار والفواكه، أم مصنّعة مثل الزيت والطحين والبسكويت، ويدرك حقيقة ما يتناوله؟.وحتى يعي القارئ ماذا يعني تناول غذاء معدّل وراثياً، فإن عليه أولا أن يفهم كيف يعدّل هذا الغذاء وراثيا، حيث يعني الأمر باختصار شديد نقل جينات متخصصة من كائن حي وإقحامه في كائن حي آخر مطلوب تطويره وتحسينه، وقد يتم النقل من نبات إلى نبات وكذلك من الحيوان والبكتيريا بغية زيادة قدرة النباتات على تحمل البرد مثلا، أو زيادة مقاومتها للمبيدات الحشرية وتأخير تلفها، عدا عن جعلها تفرز سموما خاصة لمواجهة الحشرات. وقد اجتاحت ما اصطلح على تسميتها بـ «الثورة الخضراء» أركان العالم في مطلع التسعينيات، حين لمع نجم الأغذية المعدّلة وراثيا في الأسواق لأول مرة، وكانت الحجة الأبرز والتي ما زالت تتصدر المشهد إلى اليوم هو تحقيق الأمن الغذائي، على الرغم من تأكيد برنامج الأغذية العالمي في تقرير نُشر حديثاً أن المشكلة لم تحل بل أنها تزداد تعقيداً، وأن انعدام الأمن الغذائي فاقم حركات الهجرة على المستوى العالمي في السنوات الماضية.ولا تقتصر سلبيات الأغذية المعدّلة وراثيا، والتي تختزل إيجابياتها بنظر المعارضين بكونها ربحية ولمصالح اقتصادية، على صحة الإنسان والحيوان فقط بل إنها تتسبب في الإجهاد البيئي والقضاء على التنوّع الطبيعي، من خلال استحداث أنواع جديدة من النباتات تؤثر سلبا على الحيوانات، وبالتالي يحدث إخلال بالتوازن البيئي، ناهيك عن فقدان التنوع البيولوجي نتيجة حلول عدد صغير من النباتات المعدّلة وراثيا محل النباتات الفطرية والطبيعية. وتركز أغلب التعديلات الوراثية على المحاصيل ذات الطلب العالي من المزارعين، حيث يحتل فول الصويا المحور جينيا أكثر من نصف مساحة الأرض المزروعة بالمعدل وراثيا أي ما يعادل 57 في المئة، يليه الذرة 25 في المئة ثم القطن 13 في المئة وأخيرا الكانولا (زيت اللفت).ولأن اختيار الطعام بات هاجساً يؤرق الجميع، فقد سعينا إلى خبراء لاستجلاء الصورة بشكل أكبر فيما يخص الشأن المحلي، حيث أوضحت مديرة برنامج التكنولوجيا الحيوية في معهد الكويت للأبحاث العلمية، الدكتورة فضيلة السلامين أنه «على الرغم من زيادة انتشار الأغذية المعدّلة وراثيا في الإنتاج الغذائي العالمي، فإن نسبة وجود هذه الأغذية في الأطعمة الكويتية لا يزال غامضاً وغير واضح حتى الآن»، مشيرة إلى أن «الكويت تستورد معظم الأغذية والأعلاف من دول مشهورة بإنتاج هذا النوع من الأغذية، ومن ثم فإن احتمال وجود المواد المعدّلة وراثياً في الأغذية المستوردة قائم». وأضافت السلامين «كانت مثل هذه الأغذية تباع في الأسواق الكويتية في السابق دون فحصها أو حتى وجود ملصق يشير إلى وجود التحوير الجيني فيها، وهذا يدل على أن المواطن الكويتي ربما كان يستهلك هذه الأغذية دون علم بمحتواها، ومن هنا ظهرت الحاجة إلى تطوير طرق تقييم وفحص وجود المادة المحوّرة جينيا في الأغذية المستوردة، وتم وضع نظام قادر على تزويد المواطن بمعلومات دقيقة وشفافة بخصوص وجود أو عدم وجود التحوير الجيني في الأغذية المستوردة التي يتناولها، والتي تعطيه الحق في الاختيار بين شراء الأغذية التقليدية أو المعدّلة وراثيا». ولفتت السلامين إلى أن «معهد الكويت للأبحاث العلمية قام بإجراء دراسة لوضع الطرق العلمية المناسبة لفحص الأغذية المستوردة للتعرف على وجود تحوير جيني فيها»، مبينة أنه «سبق للمعهد أن قدّم بحثا علميا عن حالة الأغذية المحوّرة جينيا في أسواق الكويت في ورشة عمل عقدت في روما عام 2004». وأكدت السلامين، بالقول: «كجهة بحثية، قمنا بعمل مشروع بدعم من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي وضعنا فيه الأساسيات التي تبني عليها الدولة ضوابطها، ولدينا أجهزة تُستخدم للفحص لبيان إذا كان هناك نسبة قبول من عدمها، حيث تتراوح نسبة التعديل المقبولة للأغذية المعدّلة وراثيا ما بين 0.9 في المئة إلى 1 في المئة، وعليه يُسمح بدخولها إلى الكويت، أما أكثر من ذلك فمن حق الفاحص رفض دخولها»، منوّهة إلى أن معهد الكويت للأبحاث العلمية يمثل الكويت في لجنة الأغذية المعدّلة وراثيا الخليجية.ومن جهته، بيّن الأمين العام في الهيئة العامة للغذاء والأغذية سطام الجلال أن إدارة الأغذية المستوردة في بلدية الكويت هي المسؤول عن الأغذية المستوردة إلى الكويت بجميع أنواعها وقال: «نحن نقوم فقط بتحليل الأغذية في مختبرات الهيئة، واتخاذ توصيات نرفعها إلى وزير التجارة يبني على أساسها قراره بالحظر أو رفع الحظر ومن ثم تنفّذ البلدية القرار. وأوضح أن لجنة سلامة الأغذية مشكّلة من قبل وزارات وجهات الدولة، من البلدية ووزارة التجارة ووزارة الصحة وكذلك الهيئة العامة للزراعة،»ونحن المسؤولون عن جودة المنتج والمواصفات والمقاييس»، مضيفا أن مجلس الوزراء حدد تاريخ 1 أكتوبر المقبل لنقل اختصاصات الأغذية المستوردة والرقابة والتفتيش إلى الهيئة العامة للغذاء والأغذية. ولفت إلى أن الأغذية المعدّلة وراثيا تأتي بملصقاتها من بلد المنشأ وتنزل الأسواق بها، ويتم فحصها في مختبرات وزارة الصحة للتأكد من أنها تطابق المواصفات والمعايير.وبدوره، أوضح مدير إدارة الأغذية المستوردة في بلدية الكويت أحمد الديحاني أنه «إذا تم فحص الأغذية المستوردة وثبت وجود مواد معدّلة وراثياً ولم يُذكر ذلك على العينات، نقوم بتثبيت ملصق بأنها تحتوي على مواد معدّلة تحت إشراف البلدية طبقا للوائح والقوانين».
محليات
جهل المستهلك ورغبة التاجر في الربح السريع وضعف الأجهزة الرقابية تجعل المخاوف حاضرة دائماً
الأغذية المعدّلة وراثياً... هاجسٌ يخيّم على أسواق الكويت
04:39 م