في وقت لا تزال الدولة تقوم بجهود كبيرة في توفير كل الامكانات والدعم للمبادرين اصحاب المشاريع الصغيرة لمساعدتهم على النهوض وتحويل مشاريعهم إلى عوامل فاعلة في خدمة الاقتصاد المحلي من جهة، وتكريس اعتماد الشباب على أنفسهم في إيجاد مصدر آخر للدخل، تلعب المشاريع المنزلية أو ما يعرف بـ «home business» دورا كبيرا اليوم على الساحة الاجتماعية والاقتصادية خصوصا بعد الشهرة الكبيرة والانتشار الواسع والنجاح المبهر لبعض تلك المشاريع على صفحات مواقع التواصل.ولا يختلف اثنان على ان المشاريع المنزلية هي الاساس في انطلاق مشاريع الشباب الصغيرة خصوصا في ظل المعوقات الكثيرة التي يواجهونها والتي من اهمها ارتفاع اسعار ايجارات المحال التجارية، ولهذا كان من الطبيعي ان يكون «مطبخ» او «ملحق» المنزل بمثابة مركز عمليات بيع المنتجات والاعمال المنزلية.ورغم نجاعة وفائدة تلك المشاريع المتعددة والمتنوعة، اتخذ البعض منها وسيلة وطريقا نحو كسب الاموال الكثيرة والسريعة على حساب المستهلكين انفسهم بطريقة «جشعة»، خصوصا في ظل عدم وجود قوانين وآلية تحكم الرقابة على تلك المنتجات، واصبح الضحية هو المستهلك الذي غرّته الاعلانات التي ينشرها مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي.ووصل الحال في النهاية ان يشتري المستهلك قطعة ال «كاب كيك» التي تنتج مثلها شركة المطاحن بأضعاف سعرها الحقيقي، لأنها ببساطة وضعت في علبة «كشخة» واضيفت عليها طبقة من الـ «كاكاو» او «الكريمة» مع بعض اللمسات!كما ان الكثير من المواطنين أبدوا استغرابهم لاستغلال الرغبة المجتمعية في دعم الشباب عبر المبالغة في أسعار منتجات تلك المشاريع «الشبابية» حتى أن بعضهم نفر من «دعم الشباب» بسبب هذا الجشع من قبل البعض، حتى أن احدهم يضع أسعارا مبالغا فيها بصورة جلية وإذا أحجم المستهلك عن شرائها وفشل مشروعه يعلو صوته شاكيا افتقاد الشباب للدعم جاعلا من الجاني ضحية.ولا شك أن القرار الوزاري المرتقب الذي اعلن عنه وزير التجارة والصناعة وزير الدولة لشؤون الشباب بالوكالة خالد الروضان والذي سيصدر قريبا في شأن تنظيم منح تراخيص «الأعمال المنزلية» أو ما يعرف باسم «home business» هو بمثابة خارطة الطريق التي تنظم هذه العملية.واكد الروضان ان «هذه الخطوة تأتي ضمن الاجراءات المكثفة التي تقوم بها الوزارة لتحسين بيئة الأعمال في الكويت وتشجيع المواطنين للعمل الحر ضمن إطار قانوني ومنظم، حيث سيتم تنظيم أكثر من 18 نوعا من النشاط والعمل المنزلي التي يمكن ترخيصها».وسيساهم ترخيص «الأعمال المنزلية» في منح المبادرين غطاء قانونيا ورسميا كما سيحفظ حقوق المستهلكين لضمان عدم وقوعهم في حبائل «الغش» التجاري في هذه الاعمال التي لا يوجد لها حتى الآن أي غطاء قانوني أو إجرائي يحميهم من الاستغلال.ولم تكن تلك القضية ببعيدة عن الأيادي النيابية، إذ كانت النائبة صفاء الهاشم قد طالبت في وقت سابق بضرورة وجود تنظيم وتراخيص خاصة بمشاريع «home business» من اجل ضمان تقديم منتجات ذات جودة للمستهلكين تضمن سلامتهم وصحتهم، وشددت على ضرورة وجود فرق تفتيش ميدانية تتبع وزارة التجارة للكشف على «المطابخ» التي تقوم بانتاج الاطعمة والمأكولات خصوصا بعد ورود عدد من حالات التسمم والغش التجاري.ولا شك ان الـ «home business» قد ترك بصمته في السوق المحلية وخاصة في ظل المنافسة الشديدة التي تشهدها تلك المشاريع داخل مواقع التواصل وكان لها تأثير مباشرة في جذب أعداد كبيرة من المستهلكين، كما أن تلك المواقع لعبت دورا كبيرا في الدعاية والاعلان للتسويق للمنتجات التي يتم تنفيذها والاعداد لها داخل المطابخ المنزلية.ونتيجة لازدياد اعداد تلك المشاريع المنزلية اصبح من الواجب والضروري ايجاد آلية تنظيمية للعمل خصوصا أنها لا تخضع لأي رقابة او قوانين تجارية او صحية تحكمها سواء لحماية حقوق اصحاب تلك المشاريع او حتى حماية المستهلكين من عمليات الغش والاستغلال.والملاحظ أن «فاشنستات» ومواقع التواصل لعبت دورا في التسويق لتلك المنتجات كما انها أيضا تعج بالكثير من المشاكل والانتقادات لبعض تلك المشاريع والقصص التي تتعلق بوجود استغلال وغش غير مباشر للمستهلكين، خصوصا أن الغالبية العظمى من المنتجات من إنتاج خادمة المنزل «ميري» أو «كوماري»!ولعل اولى تلك الاشكاليات تكمن في الاسعار المبالغ فيها للمنتجات المنزلية التي يتم بيعها والتي تصل إلى اضعاف اسعار مثيلاتها في المحال التجارية الكبري، فمثلا نجد ان سعر طبق الـ «شيزكيك» يباع في المشاريع المنزلية أغلى بكثير من الذي يباع في محال الحلويات والكافيهات الكبرى، رغم ان الأخيرة لديها تكاليف كثيرة مثل الايجارات ورواتب العمالة والمصاريف الاخرى المتعلقة بالتسويق والتوصيل.كما ان احد الانتقادات الرئيسية التي توجه إلى اصحاب المشاريع المنزلية هو استغلالهم لعامل الوقت والمكان وإضافة رسوم تصل إلى 3 دنانير تضاف على المنتج كرسوم توصيل رغم اصدار وزارة التجارة والصناعة قرارا وزاريا يحمل رقم 147 لسنة 2016 يحدد سعر خدمة توصيل طلبات المطاعم وهي 250 فلساً داخل المناطق و500 فلس خارجها.وتبرز في تلك المشاريع إشكالية أخرى هي أن ضمان جودة المنتج الذي بناء عليه يتم تحديد قيمته ومدى شعبيته غير متوافرة في المشاريع المنزلية، لان التسويق له يتم من خلال الدعاية المرئية والمسموعة والاعلان عنها في المواقع الشخصية لمشاهير مواقع التواصل، وهذا ما يجعل المستهلك يشتري المنتج والسلعة بشكل «مغشوش» بناء على ذوق وآراء هؤلاء المشاهير الذين يتقاضون مبالغ تصل إلى آلاف الدنانير مقابل التسويق لتلك المنتجات مهما كانت جودتها ونوعيتها.