في وقت لايزال المواطنون يسابقون الزمن من أجل توفير كل الاحتياجات والمستلزمات الغذائية المنزلية «المعتادة» لشهر رمضان المبارك، تجرى على جانب آخر استعدادات أخرى داخل المؤسسات والجهات الرسمية لاستقبال هذا الشهر الكريم بإقامة ما يعرف بولائم «القريش».ويعتبر «القريش» إحدى العادات الشعبية الكويتية القديمة،وهي مناسبة سنوية تقام في اليوم الأخير من شهر شعبان،وهي عبارة عن آخر وجبة غداء بسيطة يأكلها أهل البيت قبل بداية رمضان وتضم بقايا الطعام خصوصاً السمك، وبالرغم من ان كلمة «القريش» تعني باللغة العربية السخاء، الا ان أصل تسمية هذه المناسبة جاء من تصغير كلمة «قرش» التي تدل على صغر الوجبة أو قيمتها المادية.إلا ان الوضع اختلف اليوم مما كان عليه في الماضي لتنتقل من اطار البيت الى خارجه، وأصبحت هذه المناسبة بمثابة احتفال يصرف عليه المئات من الدنانير، وبدلاً من ان تكون الوجبة بسيطة وصغيرة ولاتكلف شيئاً أصبحت اليوم عبارة عن بوفيهات وطاولات طويلة تضم ما لذ وطاب من أطباق الأطعمة المتنوعة في إطار التباهي والفخر.ولعل أبرز البصمات المؤثرة والتي يمكن وصفها بالسلبية التي تركها زمننا الحالي على شكل هذه المناسبة هو انتقالها من محيط بيت الأسرة إلى أروقة المؤسسات والهيئات الحكومية والتي أثرت بلاشك على سير العمل قبل رمضان في ظل وجود العديد من الانتقادات في شأن انتشار هذه الظاهرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.وبالرغم من وجود تعميم يمنع الافطار الجماعي المعتاد للموظفين أثناء سير العمل في كل وزارات الدولة إلا ان هناك تسابقاً محموماً بين موظفي الادارات على الاحتفال بهذه المناسبة التي أصبحت بمثابة «الحفلة» في اقامة الولائم والبوفيهات الفاخرة التي تضم أنواعا مختلفة من الأطعمة داخل أقسامهم. وبعد انتهاء الموظفين من هذه الوليمة التي ستبدأ بأطباق المقبلات والسلطات وصولاً إلى «سخانات» الفطائر والمسخن وورق العنب انتهاء بـ«صينية» الكنافة سينتقلون إلى الجزء الثاني والأخير من هذه الوليمة وهي فترة الشاي و«حلو» القهوة، ومن بعدها سيظهر المشهد المحزن لتلك «الحفلة» حين يتم إلقاء بقايا الأطعمة في أكياس «القمامة» السوداء التي تكفي لاطعام أسر فقيرة ومحتاجة.وخلال الأيام المقبلة سيبدأ المراجعون الذين يشتكون ويتذمرون دوماً من تأخير إنجاز معاملاتهم بسبب «ريوق» الموظفين بـ«شم» رائحة بوفيهات وأطباق «القريش» في أروقة الوزارات ومقار الأعمال والتي ستكون بالتأكيد ليست كرائحة ساندويشات «الفلافل» و«البطاط» التي اعتادوا عليها بالسابق،وهي رائحة ستكون أيضاً بمثابة الحائط الذي سيعيق اجراءات انهاء معاملاتهم الرسمية التي سيسعون لانجازها قبل حلول شهر رمضان ».