من يجلس مع كبار السن ينهل من تجاربهم وخبراتهم، ليختصر الزمن على نفسه، ويحذر مما وقعوا فيه واعتبروا منه، ويحاول أن يقتبس من كلماتهم وألفاظهم التي غالباً ما تكون صعبة في الفهم لتضمنها معاني عدة.إن من يجالسهم لا يملك إلا أن يتبادل معهم أمتع الكلام وأجوده، كلماتهم أعذب من الماء الزُلال، وألطف من السحر الحلال، وهي مصدر إلفات النظر ومنبع التساؤل والتفكر، باختصار الحديث معهم يكسبك موسوعة من المفاهيم التي نفتقدها هذه الأيام، جلساتهم تؤنس الوحشة، وألفاظهم تسرع لأذنك ومعانيها تتسابق إلى قلبك، مميزة تضفي نكهة عبق الماضي المبهرة بأريج الحاضر، ونرى معهم نوادر الطباع وأبهى أيام الشباب.إلا أن في هذه الأيام العجاف، اختلفت جلساتهم، ما إن تجلس معهم إلا وتشعر بأنهم تجردوا من فطرتهم السليمة، وتقمصوا أدوار الأكاديميين والمحللين السياسيين، وتشعر بأن جوهم المشحون الملبد بغيوم اللا استقرار، قد أثّر عليهم فأصبحت ألفاظهم قاسية جارحة، هجومية تحمل في طياتها اللوم والعتب على الصمت والسكوت بما يحصل في البلد من تخبط في كل الاتجاهات، والسبب إفرازات السياسة الداخلية، والمتسبب جهاز الدولة الإداري.لقد كان كبار السن هم صمام الأمان الرئيسي الذي يحفظنا في خلافاتنا وأزماتنا ومشكلاتنا، وينصف المظلوم على الظالم، ويحق الحقوق لمستحقيها، حتى لو تفجرت البراكين الخامدة في داخل كل مواطن سوي وصالح، ولكن! بعد ما انتشرت عقلية الاستيراد والاستهلاك بالأفكار والثقافات، وتوسع ثقافة تغليف التخلف بغلاف جديد وطرحه في الأسواق للأمة لتجتره، أو تحديثه بطرق وأساليب تقليدية لا تخفى على من يؤمن بمدرسة الحداثة التطويرية المحافظة على ثوابت وقواعد الأمة، أصبح التيار يجرهم في الاتجاه المعاكس إلى أن فقدنا هذا الصمام، وضعف التعامل معهم، ومن أهم هذه الأبعاد إهمال الدروس والعبر المستفادة من الأزمات والقضايا التي مررنا بها عبر أزمان مضت.عدم الاستقرار وتوقف البلد عند نقطة البداية «مكانك قف»، أفسد مجالسنا عموماً ومجالس كبار السن خصوصاً، لصعوبة فصل ما يحدث بالبلد عن حياتنا اليومية، وكذلك لاستفحال الخلاف وتزايد سياسة الكيل بمكيالين، وتفاقم فساد الذمم والأخلاق، وضعف الإنتاج، وزيادة الاستهلاك والعنف وقهر الشعوب وسيادة التفكيرالأمني وتبديد الطاقات والتفريط في ثروات الأمة، وهذا هو نتاج طبيعي لغياب العدالة والمساواة.m.alwohib@gmail.commona_alwohaib@
مقالات
رأي قلمي
اكبر بعقلك لا بعمرك..!
01:37 ص