خطوة الى الأمام، خطوتان وربما أكثر الى الوراء. هكذا بدا لبنان امس، مع الهبّة الساخنة التي لفحت المفاوضات الكثيفة والشاقة حول قانون الانتخاب بعدما كانت أوحتْ بأجواء إيجابية سرعان ما تطايرتْ على وقع مواقف أطلقها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحزبه (التيار الوطني الحر).وطغى المناخ السلبي على المداولات التي شهدتها بيروت حيال الموقف من قانون الانتخاب، وسط اشتباكٍ ضمني بين فريق عون و«الثنائي الشيعي» الذي يتولى المعركة باسمه رئيس البرلمان نبيه بري، الأمر الذي يعكس تَعاظُم التحدي أمام التوافق قبل حلول المهلة الهالكة مع 20 يونيو المقبل، تاريخ نهاية ولاية البرلمان الحالي.ورغم ان «فتيل» جلسة 15 الجاري التي كانت مخصَّصة للتمديد لسنة للبرلمان سُحب مع إعلان بري عزمه على تأجيلها (لمدة أسبوع) بعدما أَجهض موقف رئيس الحكومة سعد الحريري مسارها بإعلانه رفض اي تمديد بمعزل عن إقرار قانونٍ جديد للانتخاب في ملاقاةٍ لموقف الثنائي المسيحي (التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية)، إلا ان المناخ الذي ساد بيروت في الساعات الماضية يشي بأن حرب «السقوف الأعلى» اشتدّت من دون ان تتوافر حتى الساعة «كاسحة ألغام» من شأنها توفير عبور آمن للبلاد لـ «قطوع» ما بعد 20 يونيو بحال لم تنجح الاتصالات في بلوغ تفاهُم على قانونٍ صار يختزل مجمل وجوه الصراع السياسي - الطائفي في لبنان ببُعديه الداخل والخارجي.وفي وقت كانت الأجواء توحي بحصول تقدُّم على جبهة اقتراح بري القائم على انتخاب مجلسيْن بالتوازي - مجلس نواب يحفظ المناصفة ويُنتخب بالنسبية الكاملة في دوائر واسعة ومجلس شيوخ يُنتخب على أساس طائفي ويتولى بتّ قضايا مصيرية - دهم المشهد السياسي «مفاجأة» فجّرها عون بإعلانه للمرة الاولى في شكل مباشر دعم المشروع التأهيلي الذي طرحه رئيس «التيار الحر» وزير الخارجية جبران باسيل رابطاً تأييده للنسبية بوجود «ضوابط لها»، في تطورٍ بدا بمثابة ردّ ضمني على الثنائي الشيعي، رئيس البرلمان و«حزب الله»، اللذين يتعاطيان مع «التأهيلي» على انه «دُفن» ويعتبران ان الخيار الانتخابي محصور بين «طرح المجلسيْن» والنسبية الكاملة في مجلس واحد (البرلمان).ودافع عون عن المشروع «التأهيلي» رداً على اتهامه بأنه طائفي، معتبراً ان من اسباب عدم اعتماد اي من المشاريع التي طُرحت «ان كلّ طرف يريد تناتش بضعة نواب من عند جاره، ولأن المسيحي هو جار الكلّ، وقعت المشكلة لأننا نحاول أن نردّ أكبر عدد من الحقوق إلى أصحابها»، معلناً «يريدون اليوم قانوناً على أساس النسبية لكن من دون ضوابط، ونحن نطالب بإيجادها، ومنها التأهيل، لوصول الأكفاء الذين يمثلون طوائفهم، ومنفتحون على أي طرح يحقق فعلاً هذه الأهداف».وعكس الردّ غير المباشر لبري على عون امس، استقطاباً غير مسبوق بين رئيس الجمهورية و«التيار الحر» وبين الثنائي الشيعي، ظهّر المعركة الطاحنة التي تدور حول طبيعة قانون الانتخاب الذي لم يعد هناك مفرّ من التفاهم عليه او أقلّه على خطوطه العريضة لتفادي الفراغ في البرلمان، وحول مرحلة ما بعد 20 يونيو حيث يلعب «التيار الحر» على حافة هذه المهلة في محاولة لانتزاع مكاسب من القانون تسمح بتشكيل كتلة مسيحية وازنة بقيادته تكون بمثابة «القاطرة» في الاستحقاق الرئاسي المقبل وذلك وفق معادلة «القانون الذي نريد» او التعاطي مع البرلمان بعد انتهاء ولايته وفق المفاعيل الدستورية لحلّ مجلس النواب بما يعني وجوب إجراء انتخابات خلال 3 أشهر وفق القانون النافذ اي الستين.في المقابل، يرسم الثنائي الشيعي وبالتكافل والتضامن خطاً احمر عريضاً امام «فراغٍ ولو لثانية» في البرلمان، رافعاً سقف التحدي بوضْع تداعيات الفراغ بين حدّيْ: الإطاحة بالحكومة والذهاب الى المؤتمر التأسيسي، ومكرّساً معادلة «النسبية الكاملة» كخيار وحيد وبضوابط تراعي عدم السماح بحصول الثنائي المسيحي على ثلث معطّل في مجلس النواب يسمح له بالتحكم بمسار الانتخابات الرئاسية المقبلة.وهذا البُعد بدا حاضراً في كلام بري الذي نقل عنه نواب امس، ان اي فراغ في البرلمان يعني «نهاية العهد»، وهو ما كان استبقه بالإعلان غامزاً من قناة عون ان «ليس المطلوب الانتقال من سجن سيئ الى سجن أسوأ.. من قانون الستين الى قانون طائفي، فاللعب بالطائفية لا يعني أن الطوائف لعبة والوطن ملعب»، داعياً «للتمسك بالثوابت الوطنية والمقاربة الوطنية في التعاطي مع قانون الانتخاب»، مؤكداً «انه لن يكون أبداً مع أي مقاربة طائفية للقانون الجديد».
خارجيات
«هبة ساخنة» على جبهة قانون الانتخاب «تحبس الأنفاس» في لبنان
05:29 ص