في ظل تعدُّد وانتشار الأنواع المختلفة لمشاكل الظهر والعمود الفقري، بات من المهم جدا التعرف على طبيعة كل مشكلة، والتمييز بين المسميات المحددة لكل واحدة من تلك المشاكل التي أصبحت منتشرة على نطاق واسع بسبب أنماط الحياة الحديثة التي تتسم بقلة ممارسة الرياضة بدرجة كافية، وما تؤدي اليه من ضعف في عضلات الجذع بشكل عام، فضلا عن تآكل الأقراص والمفاصل الفقرية. ويؤدي كل ذلك إلى مشاكل من بينها الانزلاق الغضروفي (انزلاق الديسك) وعدد من «إخوانه» المؤلمين، بما في ذلك: انزلاق الفقرات، والتهاب المفاصل الفقرية، وتضيُّق القناة الشوكية.وعلى الرغم من اختلاف تلك المشاكل، فإن القاسم المشترك الذي يجمع بينها هو أن آلامها المبرحة تشعل في الظهر «لهيبا»... لكن بلا نيران.لذا من المهم أن نستعرض في حلقة اليوم المسميات العلمية الاصطلاحية الخاصة بمشاكل وأمراض العمود الفقري الأكثر شيوعا، مع شرح مبسط لكل واحد منها:• الانزلاق الغضروفي والأقراص الفقريةفي حالات غير قليلة، ينشأ الانزلاق الغضروفي عن اتخاذ أوضاع جلوس خاطئة لفترات طويلة، وتكون بداية المشكلة متمثلة في تنميل (خدر) في الجذر العصبي المتصل بالفقرة المصابة بالانزلاق.والعَرَض الأبرز للانزلاق الغضروفي هو تلك الآلام المبرحة التي تصاحبه.أما أعراض الانزلاق الغضروفي الخطيرة التي تتطلب تدخلا وعلاجا فوريا فهي:* الاصابة بشلل جزئي.* حدوث اضطرابات في المثانة وفي القدرة على التبرز.* الفقدان المفاجئ أو التدريجي للقدرة الجنسية.وفي معظم الحالات، تكمن مُسبّبات تلك الأعراض في حدوث تغيرات تآكلية (انتكاسية). ونتيجة لذلك، تصاب العضلات الموجودة في النطاق المحيط بالفقرات المصابة بالانزلاق. وبشكل أكثر تحديدا، يحدث ضعف وتصلب وأحيانا ضمور في ما يسمى «العضلات المجاورة للفقرة»، وهي عبارة عن عضلات خلفية ممتدة بمحاذاة العمود الفقري على اليمين واليسار من محوره. ومع استمرار الألم من دون معالجة مناسبة، تصاب عضلات البطن الأمامية بتقوس وميل وضعف حتى تصاب بالضمور الجزئي أو الكلي.لكن كيف ينشأ الانزلاق الغضروفي، وما علاقته بالقرص الفقري «الديسك»؟يتألف القرص (أو الديسك) الفقري من حلقة ليفية ونواة لبية، حيث تشكل الحلقة الليفية الغلاف الميكانيكي الخارجي له، بينما تمثل النواة اللبية الخصائص الضرورية المرنة للقرص أو الديسك.ويحدث اعتلال القرص الفقري عندما يصاب باضطراب عام في وظيفته. وفي معظم الحالات، يبدأ ذلك الاضطراب بفقدان سائل النواة اللبية وانخفاض مماثل في الفراغ الموجود بين الفقرات المتجاورة، وهذه الحالة تسمى «الداء العظمي الغضروفي».وبالتزامن مع ذلك، يحدث انتقال لمادة القرص الفقري إلى الخلف في اتجاه النخاع الشوكي والجذور العصبية.وعند تلف القرص الفقري، تبدأ الإصابة أولا في حلقته الليفية التي تتمزق أو تتهتك إما جزئيًا أو كليًا في خطوة يسميها الأطباء «كسر الطوق». وبعد ذلك تكون النتيجة حدوث تتزحزح النواة اللبية للقرص بدرجة أو بأخرى.وعند انزلاق القرص الفقري قليلاً من مكانه بسبب تمزق الحلقة الليفية (تمزق الطوق)، فعند ذلك يبدأ ما يطلق عليه الأطباء اسم «نتوء القرص الفقري». وتتشارك جميع هذه النتوءات في أن الحلقة الليفية تكون غير كاملة التمزق، حيث تحتفظ في بعض أجزائها بشكلها الأصلي كما هو.وفي حال عدم معالجة تلف القرص الفقري، يتفاقم الأمر تدريجيا وصولا إلى الانزلاق الغضروفي، وذلك عندما تتمزق الحلقة الليفية بشكل كامل وتتداخل النواة اللبية للقرص مع الجزء الأمامي من القناة الشوكية.وبتعبير أوضح، فإن القرص الفقري «ينزلق» من موضعه ليضغط على الأعصاب المحيطة، فتكون نتيجة ذلك الآلام الشديدة التي يشعر بها المريض.وفي بعض الحالات يتدهور الأمر وصولا إلى ما يسمى «الانزلاق الغضروفي المعزول»، حيث ينزلق القرص الفقري ونواته اللبية بالكامل في القناة الشوكية، وينفصل ارتباطه تماما تماما مع الحيز التشريحي الأصلي الخاص به.وعند وصول الأمر إلى تلك المرحلة، تكون المعالجة الجراحية هي الأنسب حيث يقوم الجراح المختص باستئصال القرص الفقري المعطوب، وهي العملية التي أصبحت تجرى بسهولة نسبية حاليا باستخدام مناظير جراحية متطورة.• الفقرات المنزلقةمشكلة «الفقرات المنزلقة» هي واحدة من المشاكل الشائعة المرتبطة بمرض انزلاق الفقرات الذي يصيب العمود الفقري. وينشأ هذا المرض بشكل اساسي عن إصابة فقرات معينة بحال من عدم الاستقرار، بحيث إنها تميل بشكل عرضي (من الخلف للأمام) تحت ضغط التحميل الرأسي عليها لتنزلق متباعدة عن بعضها البعض.وينبغي هنا التمييز بين الانزلاق الفقري «الحقيقي» و «الوهمي» فالحقيقي ينشأ عادة عن اضطرابات نمو وليدية في القوس الفقري. أما الانزلاق الفقري الوهمي فغالبًا ما يتسم بدرجة انزلاق أقل، ويستند إلى موضع خاطئ للمفاصل الفقرية مع حدوث تآكل في تلك المفاصل.وطريقة العلاج الأمثل للفقرات المنزلقة تكون بإجراء عملية جراحية تتم من خلال تقنية تعرف جراحيا بـ«تخفيف الضغط المجهري عن القناة الشوكية»، وبهذه الطريقة يمكن الاستغناء عن دمج الفقرات مع تصحيح وضعها في الوقت نفسه.• تضيُّق القناة الشوكيةتضيُّق القناة الشوكية حالة مرضية قد تصيب أي قسم من أقسام القناة الشوكية الممتدة في نفق خاص بها داخل العمود الفقري. وأكثر أنواع هذا التضيُّق شيوعًا هو حدوث تضيُّق للقناة الشوكية في منطقة الفقرات القَطَنيّة (أسفل الظهر)، ويليه تضيُّق القناة الشوكية في فقرات الرقبة.ويؤثر تضيُّق القناة الشوكية في الفقرات القَطَنيّة على قدرة الشخص على المشي لمسافات طويلة نسبيا. أما تضيُّق القناة الشوكية في الفقرات العُنُقيّة فهو ينطوي على خطورة كبيرة لأنه يشكل ضغطا على النخاع الشوكي، ما قد يؤدي في حال عدم علاجه إلى الإصابة بشلل جزئي أو كامل ابتداءً من منطقة الرقبة ونزولا.ومن أبرز أعراض تضيُّق القناة الشوكية في الفقرات العُنُقيّة الشعور بألم في الرقبة، أو خدر (تنميل)، أو شعور بوخز في اليدين يشبه وخز الإبر مع ألم في الذراعين.أما أعراض تضيُّق القناة الشوكية في الفقرات القَطَنيّة فتشمل الشعور بالألم أسفل الظهر، مع إحساس بالثقل والألم في السّاقين، وصعوبة في المشي لمدة طويلة.ولا يوجد سبب بعينه يؤدي إلى الإصابة بتضيُّق القناة الشوكية. ففي معظم الحالات، يصاب الناس بهذا المرض نتيجة لتقدّم العمر. فنادرًا ما تحدث حالات من هذا النوع قبل سن الـ45 من العمر، بينما تزداد شيوعا بعد الـ60 من العمر.لكن هناك عوامل تسهم في تسريع الإصابة بهذا المرض، ومن أهم تلك العوامل التحميلات الثقيلة على العمود الفقري على مدار سنوات طويلة، والتضييق الولادي للقناة الشوكية.ويكون علاج هذا التضيُّق من خلال عملية جراحية تلطيفية على الأنسجة لتخفيف الضغط المجهري على القناة الشوكية. وعادة ما تؤدي هذه العملية إلى تخفيف آلام المريض بعد أيام قليلة على التدخل الجراحي وبعد فترة قصيرة من إعادة التأهيل.• انحصارات العمود الفقريانحصارات العمود الفقري هي من بين مسببات آلام الظهر. وتشريحيا، فإن الانحصار هو عدم قدرة بعض الأجزاء المفصلية في تشريح فقرات العمود الفقري على التحرك والانزلاق في اتجاه بعضها البعض.ويمكن لهذا العطب الموقت في وظيفة مفاصل العمود الفقري أن يصيب بعض المرضى الشباب من دون أن يكونوا مصابين أصلا بتآكل في الفقرات.أما عن مُسبّبات تلك الانحصارات فإنها تتمثل في زيادة التحميل بشكل مفرط من خلال إجهاد الجسم بأثقال أو مجهود شاق. كما أن بعض حالات الانحصارات تنشأ بسبب مضاعفات إصابات أو أمراض أخرى في العمود الفقري.وعادة، تزول الانحصارات البسيطة في غضون فترة زمنية قصيرة نسبيا من خلال تقويم العمود الفقري، أو بالعلاج الطبيعي، أو حتى بالتدليك المنزلي المنتظم.ويتم العلاج الطبيعي في مثل تلك الحالات من خلال تدخلات معينة تشمل تنفيذ نبضات حركية بسيطة وغير عنيفة، وتمارين لتمديد المفاصل والعضلات، وعمل تركيبات أربطة في اتجاه يعالج الخلل.• التهاب المفاصل الفقريةعندما تنشأ الآلم بسبب تآكل المفاصل الفقرية المتزاوجة الصغيرة، فإن المسمى الصحيح في مثل هذه هو «التهاب المفاصل الفقرية» أو التهاب ما بين المفاصل.وقد أثبتت دراسات متقدمة أن هذه الالتهابات هي من المُسبّبات الأكثر شيوعًا لحدوث مرض تضيُّق القناة الشوكية التي يمتد فيها النخاع الشوكي الواصل إلى المخ، وهو المرض الذي يشتهر أيضا باسم «تضيُّق العمود الفقري».

آلام العمود الفقري... نظرة عامة

في التالي، نلقي نظرة عامة على مسببات وأنواع الآلام التي تنشأ عن اعتلالات في العمود الفقري:• المسبباتفي كثير من الحالات، تنشأ الآلام الناجمة عن العمود الفقري إما عن التهابات أو عن تآكلات في الجهة الأمامية منه، وتحديدا في الأقراص الفقرية. وقد تنشأ تلك الآلام في الجهة الخلفية، وفي هذه الحالة تكون عبارة عن حالات انفصال عظمي وجيهي، أو تضيُّق، أو عدم اتزان، أوغير ذلك.وبشكل عام فإن مشاكل التآكلات الانتكاسية للعمود الفقري هي الأكثر شيوعًا على مستوى العالم، إذ تشكل نسبتها حوالي 80 في المئة وفقا لاحصاءات منظمة الصحة العالمية.أما حالات مشاكل العمود الفقري الأكثر شيوعا وانتشارا فتكون في الفقرات القطنية، وخصوصًا في النطاقين السفليين منه، ويلي ذلك الفقرات العنقية، ثم الفقرات الصدرية.وتتنوع مُسبّبات الآلام التي تصيب الظهر نتيجة لمشاكل أو اعتلالات العمود الفقري. فهناك مُسبّبات عامة وأخرى أكثر تحديدا. وبالنسبة للمسببات العامة فإنها تشمل حدوث تآكل أو تمزق أو التهاب في ما يلي:- عضلات الظهر (بفعل زيادة التحميل أو الضغط عليها مثلا).- الأقراص (الديسكات) الفاصلة بين الفقرات.- المفاصل الفقرية.- الوصلات العصبية.• موضعية... وانتشاريةالآلام الناجمة عن اعتلالات العمود الفقري يمكن أن تكون موضعية (أي محصورة في منطقة معينة)، وقد تكون ذات طبيعة انتشارية بحيث تمتد وصولا إلى مناطق وأعضاء أخرى في الجسم، وهو الأمر الذي يعني انها تنتشر إما عبر تشعبات شبكة الأعصاب أو بسبب التقلصات والتشنجات العضلية التي تضغط بدورها على الأعصاب فتكون نتيجة ذلك الشعور بآلام.فآلام العمود الفقري الممتدة يمكن أن تنتشر عبر أنسجة سلاسل العضلات، حيث تصل إلى الذراع أو الساق أو غيرهما من أعضاء الجسم من دون أن يوجد تفسير واضح في الفحوصات العصبية. وغالبًا ما يكون هذا النوع من الألم ذا طابع مبهم، لذا فإن المريض لا يستطيع أن يصفه بوضوح.أما الآلالم الموضعية فتتسم بانحصارها في مكان معين في الظهر، بحيث يمكن للمريض أن يحدده وأن يصف طبيعته ومدى حدته. وعادة، يكون هذا النوع من الآلام قابلا للعلاج والاحتواء في غضون مدة قصيرة نسبيا، لا سيما إذا بادر المريض إلى عرض نفسه على طبيب مختص وواظب بانتظام على خطة العلاج الموصوفة.للتواصل مع الملف:alrai.pulse@gmail.com