عمد سوق الأوراق المالية لأكثر من 12 عاماً الى تفسيخ الأسهم من التوزيعات النقدية عبر خصمها من السعر المتداول، حالها في ذلك حال توزيعات المنحة أو زيادة رأس المال.واستمر الوضع بهذا الشكل حتى العام 2015، ليأتي بقرار يُحسب للجنة السوق آنذاك يقضي بوقف خصم التوزيعات النقدية من الأسهم عقب اعتمادها من الجمعية العمومية، والإبقاء على تعديل السعر بعد خصم أرباح «المنحة المجانية» فقط.وكان يُفترض أن يأتي ذلك بإيجابية على الأسهم كونه سيدفع في اتجاه الاهتمام أكثر بالأسهم التشغيلية المدرّة للتوزيعات، لاسيما الأسهم القيادية، على حساب الأسهم المضاربية، التي لا تحقق ربحاً إلا على الورق من دون توزيعات، إلا أنه وحتى اليوم لم يحظ السوق بمردود حقيقي لذلك.مناسبة الحديث عن هذا الملف تكمن في ما تشهده بورصة الكويت حالياً من تفسيخ غير مباشر للأسهم، فكلما اعتمدت الجمعية العامة العادية التوزيعات النقدية، نجد الأسهم تراجعت في اليوم التالي، بما يعادل حجم التوزيعات النقدية، ولا تتعجب إن رأيت السلع التشغيلية التي منحت مساهميها عوائد من التداول بالحدود الدنيا، تُرى ما السبب؟يرى مديرو استثمار في مؤسسات مالية، أن ثقافة التداول في البورصة يغلب عليها الطابع المضاربي، إذ تمثل شريحة المضاربية السواد الأعظم من عدد المتداولين، الأمر الذي يدفع هؤلاء الى التسابق لتحقيق «منفعتين» الأولى تسييل السهم في اليوم التالي للجمعية بسعر السوق دون خصم التوزيعة، والثانية انتظار تحصيل ما أقرته العمومية من أرباح نقدية.وأشار هؤلاء إلى أن صغار المتداولين في الشركات هم الاكثر توجهاً للتخارج السريع، ما يزيد من الكميات المعروضة على سعر الأساس (الإقفال السابق للسهم)، ما يقل معه العرض، وبالتالي ينتقل المساهم للبيع على الوحدة التالية نزولاًَ، وهكذا، إذ تتسبب كثافة البيع في تراجع الأسهم التي تتوقف عند مستويات قريبة من الأسعار السوقية للأسهم لدى خصم التوزيعات النقدية.واضافوا ان القضية بحاجة الى تطور ثقافة الاستثمار في البورصة، والتحول تدريجياً من المضاربة وضخ السيولة الساخنة، الى الاستثمار متوسط أو طويل الأجل، لافتين الى أن ذلك سيوفر عوائد أكثر جدوى، وأقل مخاطرة.وكانت الشركات القيادية أعلنت عن توزيعات نقدية جيدة تقارب المليار دينار، إلا ان أسهم تلك الكيانات التشغيلية تخسر ما يعادل ذلك، بشكل تدريجي ولدى الإعلان يومياً عن التوزيعات، وليس بضربة واحدة، إذ بلغت توزيعات أسهم (كويت 15) مثلاً ما يزيد على 800 مليون دينار بفضل العوائد التي أقرها مجلس «أمريكانا» البالغة 615 فلساً للسهم.وكانت الأوساط الاستثمارية تُمني نفسها لدى إقرار الإجراء الجديد، حيث توقعت أن يترك انعكاسات عميقة على البورصة، منها توفير الحافز للمتداولين لفهم نماذج أعمال الشركات الاستثمارية والخدمية والعقارية والغذائية وغيرها، ومراقبة أدائها المالي لمتابعة الشركات الأفضل أداء، وبناء مراكز أطول أمداً عليها.وقال مراقبون انه ومع إلغاء التفسيخ النقدي للسلع المُدرجة كان يجب أن تتحول الأسهم التشغيلية إلى وعاء جيد لمدخرات المواطن والمقيم على حد سواء، لينافس بذلك الودائع المصرفية ذات العائد الأقل بالنظر إلى عائد التوزيعات لكثير من الشركات والمجموعات، طالما أن التوزيعة النقدية لا تدخل من باب، وتخرج من آخر!واضافوا أن تفسيخ التوزيعات النقدية كان يعني عملياً مساواة الشركات التشغيلية الجادة بالشركات سيئة السمعة أو التي لا يتوافر لديها نموذج أعمال «مُحترم»، فما كان يحصل عليه المساهم من توزيعات تخصمه منه البورصة، ما يجعل في ذلك مساواة بين الغث والسمين، وحرمان الشركات الرابحة وذات التوزيعات المجزية من مكافأة مستحقة على أدائها.ولكن، للأسف لم يدم الأمر طويلاً، والنظرة الوردية للإبقاء على الأسهم بلا خصم التوزيعات لم يصل الهدف منها حتى الآن، ما يستدعي وقفة جادة لتثقيف المتداول بأهمية الإجراء، حتى تتحول السيولة الموجهة إلى السوق تحولا إيجابيا يغلب عليه الطابع الاستثماري وليس المضاربي.