شوّهوها. أساءوا لسمعتها. مسكينة هي «العدالة». بالأمس قام معارضو الدوائر الخمس بحرق وجه العدالة بماء النار «التيزاب»، واليوم يقوم معارضو اسقاط فوائد القروض بحرق يدي العدالة ورجليها. فما الذي تبقى من «العدالة» لم يُشوّه؟ وصلنا إلى مرحلة عندما نسمع من يتحدث عن العدالة نشتكيه لضابط المخفر. أمست تهمة. العدالة في قواميس البعض هي اختصار لجملة «الضحك على الشوارب والذقون».«حدس» تتحدث عن العدالة في إسقاط فوائد قروض المواطنين، وترجئ إعلان موقفها إلى حين الجلسة، لتجني أرباحا إضافية تضمها لأرباح الربع الأخير، ويصرح نائبها دعيج الشمري الذي يشع ذكاء وحصافة سياسية: «حدس» مع المواطنين، لكن بشرط عدم تحميل الدولة أعباء مالية». تصريحه هذا يذكرني بتصريح بعض الدول العربية أثناء احتلال الكويت: «نحن مع تحرير الكويت، لكننا ضد دخول القوات الأجنبية»! طيب، سأنعش ذاكرة الفاضل دعيج بمواقف أسلافه في قضية المديونيات الصعبة التي كلفت الدولة خمسة مليارات وستمئة مليون دينار في بادئ الأمر، وفاقت تأثيراتها اللاحقة التسعة مليارات دينارا. موقف نواب «حدس» حينذاك وتحديدا إسماعيل الشطي (رئيس اللجنة المالية والاقتصادية) لا يُنسى، عندما بحث الشطي عن منفذ قانوني، ولم يجد، مع الأسف الحارق، فاضطر لتقمص شخصية «فيرساتشي»، وقام بتفصيل فساتين القوانين على مقاسات بعض التجار، بشكل مخالف للآداب والذوق العام! أما موقف ناصر الصانع يومها، وما أدراك ما موقف الدينمو ناصر الصانع، الذي كانت لياقته البدنية عالية، ولم يجلس على كرسيه جزاه الله خيرا طوال الجلسة (للعلم، الجلسة بدأت الساعة التاسعة صباحا، وانتهت الساعة الواحدة صباح اليوم التالي). كانت مسؤولية الصانع، بالتعاون مع محمد ضيف الله شرار، هي إقناع الآخرين بضرورة تمرير القانون. وتحقق له ولحركته ما أرادوا، إذ مرّ القانون بموافقة ثلاثين نائبا، وامتناع البقية، ورفض ثلاثة فقط (نواب حدس وغيرهم امتنعوا، والامتناع يؤدي إلى مرور القانون)... وللتذكير، في العام ذاك، لم تكن لدى الدولة فوائض مالية، كما هي الحال اليوم، لكن الشطي «طق الصدر» وأشار باصبعه إلى الاحتياطي. وكان له ذلك. علما بأن سعر برميل البترول يومها في حضيض الحضيض.طيب، لنقارن موقف حدس، بطلة الكويت في الجمباز، مع موقف طيب الذكر النائب السابق شارع العجمي، الذي قاد كتيبة المعارضة حينها، واحتمل من الصدمات ما لا يحتمل الجَمل، عندما تلفّت يمينا ويسارا بحثا عن الوعود وأهلها، فراعه ما رأى: هذا نائب يهرب من الجلسة، وذاك يبدّل موقفه وهو مطأطئ الرأس، و، و، وتفككت الكتيبة، بخشم «الشيك» الذي تحوّل إلى سكين حادة، تحلق الشارب واللحية معا... ومع ذلك لم ييأس «بو ناصر»، بل تقدم مع من بقي معه في الكتيبة، وهما نائبان اثنان لا ثالث لهما، بقيا على العهد: صالح الفضالة ومفرج نهار، وصرخ الثلاثة: «ألف لا ولا، لقانون الاعتداء على أموال الدولة»، وأعلنوا رفضهم للقانون، فسجّلت المضابط وهي تبتسم موقفهم الرجولي، فسقط الثلاثة في الانتخابات التالية، بجهد الحكومة، لكنهم لم يسقطوا في أعين الناس، بينما كوفئ شرار والشطي بعد ذلك، وبتوقيتات مختلفة، بمنصب «نائب رئيس مجلس الوزراء»... لكل شيء ثمن، يساويه في القوة ويوازيه في الاتجاه.وكلما تذكرت الجلسة هذه، ومواقف الرجال فيها، تغنيت بقصيدة ابن رشيد الشهيرة التي منها: «عيبٍ على اللي يتقي عقب ما بان، وعيبٍ طمان الرأس عقب ارتفاعه». وكلمة «يتقي» هنا بمعنى «يختبئ»، و«بان» بمعنى ظهر، و«طمان» تعني «انخفاض».وللحديث عن «العدالة» المشوّهة بقية.
محمد الوشيحيalwashi7i@yahoo.com