إن المتمعن لتجربة الأمير بدر بن عبدالمحسن الشعرية، يجدها تجربة ناضجة، ضاجة بألوان الطيف متوهجة بسناء الإبداع ومرتفعة في سماء الوعي، ومضيئة في مساء الرومانسية، ينقلنا إلى عالمه الحسي من خلال مغامراته وتمرده على اللغة عبر انحرفاتها وانزياحاتها ومفاجآتها في سياق لغوي محسوس، راسماً لنا ذاته المتشظية التي نلمسها بلوحاته ورموزها المنبثقة عبر تلك الصور الشعرية المتضافرة لتحقيق الدلالة من فكر متقد وطاقة وجدانية وشحنة دلالية متوهجة، مُجانسا بين بعدها الواقعي مع المضمون برؤاه الخيالية التي توظف معطيات الحواس وتحريك الحدس بلذة فنية يتقاطر رضابها على شفاه الذائقة يقول في نص (أغنية في العشق والموت):يا خوفتي.. اللي سبح في نهرك الجَارف..غد اموته ظما..ضمّي ملامح صورته..ضمّيه لعله يفيق..يشهق أو يرد النفس..صوته جرس..ينحب على بوابة الليل..يوقظ خدر جرحك..يتل من عينك احبال الدّمعضمّيه لعله سمع..انك تحبينه..ولا..قلتي تحبيه..ولا.. قلتي تحبيه..فنحظى في كل جملة شعرية على هالة فنية معبرة وطاقة روحية متشظية، عبر المفارقات والانزياحات اللغوية والصور الشعرية البكر المبتكرة على سبيل المثال في قوله:(يا خوفتي.. اللي سبح في نهرك الجَارف..غد اموته ظما..)كذلك في قوله (صوته جرس..ينحب على بوابة الليل..يوقظ خدر جرحك..)وفي هذه الصورة الأخرى حيث يقول (يتل من عينك احبال الدّمع) استطاع الأمير البدر من خلال فكره المتقد وخياله الرحب وأسلوبه الودق العذب شحذ أحاسيسنا وثرى شعورنا بنص مغدق مبنى ومعنى ومغنى، فالأمير البدر ومن خلال كيمياء نصوصه يربط هذه الوشائج العميقة لتتكاثف برؤية جديدة وبؤرة دلالية فريدة البناء والتركيب، ونبرة إيقاعية مؤثرة ومثرية، فتأتي نصوصه كيمائية البناء و فيزيائية التركيب فتمتزج حركاتها الذاتية بشكلها الحسي وتكوينها السردي بعمق وتواتر شديد الحيوية والديمومة والسرمدية، متدفقة باستمرار في أرواحنا متنامية بجسد الزمان والمكان، بقدرة عالية وتقنية بارعة لتنجح في إضاءة المنطقة المعتمة في رسم الصورة الشعرية التي تعتمد على المفاجأة الشعرية والتفاعل اللغوي الكيميائي مع الذات والإحساس يقول البدر في نص (أستبد):اعشقي ظلم الغصون الخضر للحطابوالجلد للأنياب.. والجفن للسكيناعشقي هالظالم المسكين...واتركيني انصهر في الشمسوالا ارتعد في البردلكن استبد.. واسترد اثيابي من الريحولحمي من الشوكوابتعد.. ابتعد.كم هو رائع بارع فارع هذا الأمير البدر يشرق بالمعنى ويغدق بالرؤيا، فمن المقطع السابق يندلق الإبداع عبر تجربة ثرية مُثرية ونتنفس النعناع من خلال حقوله الشعرية وبساتينه الفنية، التي تتآزر الألفاظ والعبارات بها وتتنامى من خلالها المعاني الباسقة والأفكار الوارفة، في مساحات مكتنزة بالضوء ومسافة مشرقة بالوعي، فالمقطع السابق متوهج بالصور الشعرية الجديدة الفريدة التي تعبر عن صفاء الذهن ورهافة الحس في استغراق وتأمل عميق أنيق، من غير إبهام مشوش ولا اضطراب للفكرة، فلنتمعن سويا في هذا الانصهار المشمس عبر صياغتها التشكيلية السيميائية:واتركيني انصهر في الشمسوالا ارتعد في البردلكن استبد.. واسترد اثيابي من الريحفمن خلال كيمياء فكره استطاع تنوير عالمه المستتر في أعماق ذاته وإضاءة أروقة أنفسنا وزفرات أنفاسنا، عبر تلك الدلالات المعنوية في بناء صوري حسي/ حركي، لنحظى بصور شعرية متحركة تتكئ على الفعل لتحريك مفردات الصورة الشعرية (انصهر في الشمس) وكذلك (استرد اثيابي من الريح).