مخلفات ذرة تتحول إلى وقود حيوي أو ألواح. مخلفات سعف النخيل تستخدم من أجل إنتاج الكارينا. مخلفات قصب السكر تتحوّل إلى أسمدة عضوية. ومخلفات زراعية أخرى يتم تحويلها إلى أعلاف حيوانية... هذه ليست إلا بعض من الأمثلة التي تكشف كل ما نستطيع القيام به من أجل إعادة تدوير مخلّفاتنا الزراعية.في عصر، أدرك فيه الناس أهمية عمليات إعادة تدوير كل ما نستهلكه، ازداد عدد الشركات التي تهتم بهذا المجال، علّها تُساهم باستدامة أرضنا وتقليص التلوث البيئي. وليست المنطقة العربية استثناءً حتى لو أنها متأخرة بعض الشيء عن الدول الأخرى. وهنا في هذا المقال، سنتوجه إلى مصر ونسلط الضوء على أبرز المبادرات التي تهتمّ بإعادة تدوير المخلفات الزراعية وبالأخص النخيل.وبحسب دليل تدوير المخلفات الزراعية الذي أصدرته وزارة الدولة للشؤون البيئية المصرية عام 2010، «تعتبـر المخلّفات الزراعية ثروة يجب الحفاظ عليها، ويرجع ذلك إلى أن مصر تعتبر مـن الدول الفقيرة في مـا يسـمى بطاقة»الكتلة الحية«Mass-Bio وهي عبارة عـن الأشجار والغابات والمخلفات النباتية؛ حيث إن المساحة المزروعة لا تمثل إلا 4 في المئة من قيمـة المساحة الكلية لمصر، وبالتالي فإن حرق هـذه المخلّفات الزراعية يعتبـر إهداراً لطاقة جديدة متجددة».كثيرة هي أنواع المخلفات الزراعية، من المخلفات الإنتاجية النباتية إلى التصنيع الزراعي، مروراً بالمخلفات المختلطة؛ جميعها يُمكن الاستفادة منها بطرق متنوعة مثل إنتاج العلف والبروتين الغذائيّ والوقود الحيوي والخشب والمنتجات اليدوية.«جذور»يخبرنا محمود الأمير، المتخصص في تطوير الأعمال، أنّ «قصة (جذور) بدأت منذ نحو 4 سنوات مع مجموعة طلبة في قسم الهندسة في جامعة عين شمس أثناء العمل على مشروع تخرجهم في تصميم ماكينات لإعادة تدوير المخلفات الزراعية وإدخالها في منتجات متنوعة».وبالتالي بعد التخرج، قامت مجموعة الشباب بإنشاء شركة «جذور» تحقيقاً لمجموعة من الأهداف التي عددها لنا الأمير: استغلال الموارد المهدرة في أهم الصناعات الممكنة، إيجاد بديل محلي للأخشاب المستوردة، إبراز الحلول المستدامة البديلة، الحد من التلوث البيئي الناتج عن حرق المخلفات الزراعية، وإيجاد فرص عمل لأهل القرى.ويتابع: «بدأت رحلة جذور تحقيقاً لمهمتها في استغلال مورد - جريد نخيل البلح - المهدر والذي يحرق سنوياً بأكثر من 370 ألف طن في مصر فقط، لإنتاج ألواح خشبية ومنها منتجات نهائية بجودة عالية وشكل متميز وطرحها بالأسواق».ويخبرنا أنه يوجد في مصر نحو 15.5 مليون نخلة ويقدر متوسط الجريد المهدر من النخلة الواحدة بنحو 20 كيلوغراماً، أي نحو 375 ألف طن سنوياً؛ يتم استغلال نحو 10 في المئة فقط منها والباقي في الغالب يتم حرقه. ويضيف: «لذلك، هناك فرصة كبيرة لوجود شركات عديدة مثلنا للقيام باستغلال هذه الموارد، فهذه الكميات تتجدد كل سنة بقدوم موسم تقليم النخيل».ويشدّد على أن الأمر لم يكن ممكناً من دون فريق كبير من المزارعين والعمال وسائقي عربات النقل وحراس المصنع والمخزن وشركائهم من مصممي الديكور وحرفييّ النجارة.ولكن، ما هي العملية المتّبعة من أجل إعادة تدوير النخيل؟ يشرح لنا الأمير «تختلف تكنولوجيا تحويل المخلفات الزراعية إلى منتجات أولية بحسب نوع المخلفات؛ معظمها يتم فرمها وكبسها في ألواح أو مصبعات الوقود وغيرها من الاستخدامات. أما في حالتنا، فنحن نقوم باستخراج قلب جريد النخل بدون تغيير خواصه الميكانيكية والكيميائية وبدون فرمه وتغيير شكل أليافه مما يحافظ على متانته وخواصه الطبيعية المقاربة جداً للأخشاب الطبيعية عالية الجودة. ثم نقوم بكبس قلب الجريد في ألواح بمقاسات متنوعة ومن ثم تدخل هذه الألواح في صناعة منتجات نهائية باعتبارها خشبا طبيعيا ذا شكل مميز وطبيعي».وتتنوّع هذه المنتجات النهائية، فنجد الأبواب وتجليد الجدران وإكسسوارات الديكور مثل الساعات وبراويز المرايات وغيرها. ويوضح الأمير: «نستهدف بالأساس مكاتب الديكور والتصميم الداخلي بالإضافة إلى تجار الأكسسوارات المنزلية».يسعى القيّمون على «جذور» حالياً إلى إثبات قدرة خشب جريد النخل على المنافسة بجودته ومتانته وشكله المميز، سواء في السوق المحليّة أو الخارجية لاسيما الخليجية منها التي تهتم بقيمة النخيل أكثر من غيرها.«نباتا»«الدافع الرئيسي وراء إنشاء شركة (نباتا) هو مساعدة مديريتي الزراعة والبيئة في التخلص الآمن من مخلفات النخيل التي تعتبر ثروة قومية لمحافظة أسوان، حيث يبلغ تعداد النخيل فيها مليونا و800 ألف نخلة تنتج 105 آلاف طن من المخلفات سنوياً تُسبب الكوارث البيئية والزراعية للمحافظة»... بهذه العبارة يُعرّف إسلام ياسين، المؤسس، عن شركته مضيفاً أنه يسعى أيضاً إلى «توفير فرص عمل حقيقية وخاصة للفتيات والسيدات في المناطق الأكثر تهميشاً واحتياجاً في صعيد مصر».وبالفعل مساعدة وتمكين السيدات في صعيد مصر ينعكس أيضاً في فريق العمل المؤلف من 36 فتاة وسيدة يعملْن، حسب ياسين، «في وحدات إنتاجية حيث تم تأهليهنّ وتدريبهنّ فنياً وتقنياً واجتماعياً أيضاً لكي يتمكنّ من العمل لدى (نباتا) بأسلوب علمي منظّم بالإضافة إلى ثلاثة منهنّ يعملْن في التسويق والبيع».ويعود بنا ياسين إلى الوراء وتحديداً إلى مارس 2015 عندما بدأ يُنفّذ حلمه بتأسيس «نباتا»، ليخبرنا أن أهدافه تبقى «إحياء وتنمية هذه الصناعات وتحويلها إلى مشروع مؤسسي قادر على المنافسة والاستمرار وتشغيل أجيال جديدة بعد تدريبها وتقديم كل الخدمات لها، وزيادة دخل الأسر والارتقاء بمستواها مادياً بتوفير فرص عمل للأكثر احتياجاً في المشروع، وزيادة التصدير للخارج مما يساعد على إدخال العملات الأجنبية لمصر ونشر الهوية المصرية التراثية، وإشباع السوق المحلي والعالمي بالمنتجات اليدوية، والتخلص الآمن لـ 30 في المئة من مخلفات النخيل بالمحافظة وتحويلها من مشكلة إلى مورد».أما في ما يتعلق بطريقة معالجة النفايات، فيوضح ياسين أن كل الخطوات يدوية ولا تتّبع تكنولوجيا. ويضيف أن العملية تبدأ «بمرحلة التقشير فالتجهيز ثم المعالجة بتعرّضها للماء والشمس تحت درجة حرارة معينة ولوقت معين ثم يتم شدّها على النول».وهنا لا بد من الإشارة إلى أن «نباتا» تُعيد تدوير جزءاً محدداً من النخلة ألا وهو «العرجون» أي الجزء الحامل للتمور.وبعد هذه العملية اليدوية، تتحول النفايات إلى منتجات يدوية يستهويها كل المهتمين بهذا النوع من المنتجات داخل مصر إضافة إلى السياح المهتمين بالتراث الحضاري. وهنا يخبرنا ياسين «خلال عام 2016، قمنا بإعادة تدوير 180 طن من النفايات وببيع 2400 قطعة في العام ذاته».نفايات النخيليتّفق كل من ياسين والأمير على استدامة مشاريعهما. فيقول الأمير «تعتبر شركتنا مبادرة مستدامة بالطبع لأنها تتعامل في الأساس مع مورد متجدد؛ نخيل البلح لا يمكن أن يثمر إن لم يتم تقليمه بقطع الجريد في كل موسم من دون أن ننسى أن بلادنا العربية مليئة بملايين النخيل». من جهته، أكّد ياسين أنّ «الشركات التي تعمل في إعادة تدوير النفايات لديها الفرصة الأكبر للاستدامة حيث الريادة والابتكار والابداع الدائم بالإضافة إلى أنها تعمل على تفعيل دور الحماية الاجتماعية والعدالة المجتمعية».استدامة أكيدة وإنما بثمن؛ فالتحديات التي يواجهها رواد الأعمال الذين يخوضون هذا المجال ليست قليلة. فهنا يقول ياسين إنهم واجهوا العديد من التحديات التي تغلّبوا عليها «بداية من ثقافة الأشخاص في الصعيد وعدم تقبلهم لفكرة من يعمل في إدارة النفايات مروراً بتشكيل فريق العمل وتأهيله فنياً واجتماعياً وصولاً إلى ندرة الأبحاث والدراسات التي من الممكن أن تساعد على النمو بشكل أسرع وأخيراً التمويل والتسويق».لكن، ورغم ذلك، يؤمن الأمير وياسين بأهمية الدور الذي يضطلع به رواد الأعمال في منطقتنا العربية لتطوير مجال إعادة تدوير النفايات الزراعية بكل أشكالها.