من يمتلك الحقيقية التي كثيراً ما تظلم ويتم اضطهادها في كل زمان ومكان؟... ومن يملك الأدلة للحديث عنها؟ قاطع الطريق «تاجومارو» أم الزوجة ماساغو التي قتل زوجها الساموراي حين كان يرافقها في إحدى الغابات؟!هذه أهم أهم محاور الفيلم الياباني «راشومون» الذي عرض مساء أول من أمس في مركز اليرموك الثقافي ضمن فعاليات مهرجان القرين 23 الثقافي.الفيلم، المصوّر بالأبيض والأسود، أخرجه أكيرا كوروساوا في العام 1950، وهو بالمناسبة الفيلم الثاني عشر له، ويمكن اعتباره أهم أعماله الكاملة، بعد أن قدم أفلاماً أخرى لم تكن بالقيمة الفنية نفسها مثل «الملاك السكران» العام 1948، و«الكلب المسعور». والأهم من ذلك، أنه قد تم اختيار«راشومون» للمشاركة في مهرجان البندقية للأفلام السينمائية، وحاز على الجائزة الأولى، ومنحته أكاديمية السينما الأميركية أوسكار أفضل فيلم أجنبي في العام 1951. كما يعد هذا الفيلم من أهم الأفلام اليابانية التي جذبت انتباه جمهور المشاهدين في الغرب لهذه السينما.تدور أحداث الفيلم في الزمن القديم، حين كانت اليابان تعاني من الحروب الأهلية والفوضى والمجاعات. ومع تخلي الحكومة عن دورها في ضبط الأمن، انتشرت حالات السطو وقطع الطرق، لا سيما في المناطق الوعرة وداخل الغابات، حيث تمت الحادثة التي يتمحور حولها الفيلم داخل إحدى الغابات، وهي ليست بعيدة عن العاصمة، حيث يعثر أحد الحطابين على جثة «الساموراي»، وبعد فترة تلقي الشرطة القبض على قاطع الطريق المشهور الصعلوك «تاجومارو» ويتم استدعاء الأشخاص الذين شهدوا الجريمة إلى المحكمة بمن فيهم «ماساغو» وهي زوجة الساموراي ورفيقته أثناء رحلته في الغابة، ثم الساحرة القادرة على استدعاء الأرواح، ليروي كل منهما الحقيقة من وجهة نظره، ما يشكل ما يشبه حالة من فنون العبث في تفاصيل الحكاية التي سردها المخرج بحكايات كثيرة تجلت في استخدامه للشمس والإضاءة وطريقة تقطيع المشاهد، فضلاً عن السياق الدرامي للفيلم الذي لم يجعل تفكير المشاهد يخرج عن نطاق الشاشة التي كانت تتسارع الأحداث عليها من دون توقف. فالقصة بدأت من خلال الحطاب الذي وجد بعض أشلاء الجثة، لكن تفاصيل الحكاية كانت امرأة تسير على ظهر حصان برفقة زوجها الذي كان يمشي على الأرض ممسكاً بلجامه، وإذ ينقض عليه قاطع طريق ويحاول الاعتداء عليه ويقوم بشل حركته عن طريق ربط يديه وقدميه ويقوم باغتصاب زوجته أمام عينيه، التي لم تشفع توسلاتها لها، ورغم ذلك أعادت التوسل له مرة ثانية كي يطلق سراح زوجها، لينتقل الصراع هنا بالسلاح الأبيض بينه وبين الزوج وينتهي بتمكن قاطع الطريق من ربط الزوج من جديد، ليترك الزوجين في صراع نفسي وعتاب لم يستخدما فيهما لغة الكلام، بل كانت النظرات أقوى من الرصاص. فالزوج يشعر بمرارة مما حدث، والزوجة كانت تتمنى أن يكون زوجها أكثر قوة من ذلك ليدافع عنها إلى أن قتل.المخرج أكيرا كوروساوا الذي كثيراً ما قال في كتبه إنه يفضل ألا يتحدث كثيراً عن نفسه ويترك أفلامه تتحدث عنه، كان بارعاً في استخدام الأماكن القديمة والمهجورة في التصوير، وخلق أجواء تتناسب مع هول القصة من أمطار وطبيعة، وقد استعان في سياق الأحدث بالرهبان من أجل البحث عن الحقيقة التي ظهرت بأكثر من وجه، ولكنها كانت تدور في فلك نفس الأحداث، لكنه في المقابل قدم صورة متنوعة لفن «العبث» برؤية سينمائية.الجدير بالذكر، أن الفيلم مأخوذ عن قصة الكاتب «أكتوتاغاوا رْيونوسْكه»، وهو من بطولة تاكاشي شيموورا، كانازاوا تاكيهيكو، موري ماياسوكي، وشيرو ميفوني وكِيو ماتشيكو.
فنون - سينما
عُرِض في «اليرموك الثقافي» ضمن فعاليات «القرين 23»
«راشومون»... تجليات السينما اليابانية في البحث عن الحقيقة
مشهد من الفيلم (تصوير زكريا عطية)
01:09 ص