توقف مراقبون صحيون طويلاً أمام «لوحة احتفالية» الأسبوع الماضي، أقيمت على مرحلتين، وزرعت في وجدانهم «نقزة» حمّلوا مسؤوليتها إلى وزير الصحة الدكتور جمال الحربي، وأبقوا على بقية من تفاؤل في أن يتدارك الوزير «الخطأ» ويعمل على إصلاحه، حتى لا تتدحرج كرة الغبن، إلى... ما لا تحمد عقباه.أما المشهد الأول فتمثل في التكريم السامي لكفاءتين طبيتين مستحقتين، قدمهما الوزير الحربي إلى سمو الأمير، فأوجزا بعضاً من إنجازاتهما ونالا الثناء من لدن صاحب السمو، وهو الوسام الذي يتمناه كل مبدع، ليكون حافزاً له على العطاء، والكفاءتان هما استشارية أمراض القلب و(فسلجة القلب) في مستشفى الأمراض الصدرية الدكتورة فوزية الكندري، لقيامها بتدريب مجموعة من الأطباء في اليابان على تقنية تركيب منظمات مزيلة لرجفان القلب بتقنية حديثة، والدكتور عبدالرزاق العبيد، بمناسبة حصوله على براءة الاختراع في مجال العمود الفقري.المشهد كما يراه المراقبون... مستحق.المشهد الثاني تجسد في تكريم عدد من الخريجين الجدد بعضهم بسبب تخرجه فقط من جامعات مرموقة رغم وجود اعداد مهمة من الاطباء في الوزارة متخرجين من الجامعات نفسها ويتفوقون على المكرمين حديثي العهد بالتخرج بالخبرة والعطاء، وبعضهم الآخر مثل الطبيب مثنى السرطاوي الذي كرم على «ابتكاره طريقة دقيقة لتركيب الركبة»، مرفقاً بما قاله الوزير الحربي في معرض التنويه بـ «الاختراع» بانه «مفخرة للكويت» و «أن العالم أجمع يتحدث عن ابتكار الدكتور السرطاوي وطريقته الدقيقة لتركيب الركبة والمفصل الصناعي من خلال عملية دون قطع الاربطة والعضلات»، معلناً ان «طريقة الدكتور السرطاوي الجديدة مبتكرة بخلاف العمليات القديمة المعتادة التي كانت تتم عن طريق القطع وتسبب الآلام للمريض»، مشيراً إلى ان «المريض يمكث فقط ثلاثة أيام في المستشفى بعد العملية بخلاف مدة التأهيل للعمليات القديمة وهي ثلاثة أشهر».ويتساءل اطباء كيف يساوي الوزير الطبيب بين طبيبة علّمت أبناء «امبراطورية الشمس» أسراراً لا يعرفونها عن عمليات القلب وفسلجته، وخبير في علاج العمود الفقري وصاحب براءة اختراع، وبين طبيب حديث التخرج يستحق الدعم والتشجيع طبعاً ولكن لا يجوز ان يدعي الوزير انه ابتكر تقنية مارسها زملاؤه الأطباء في مستشفى الرازي وغيرها من المستشفيات وأجروا مثلها مئات العمليات الجراحية حتى باتت تقنية عادية مألوفة.وأكد اطباء في جراحات العظام ان التقنية التي تم تكريم الوزير الدكتور السرطاوي على أساسها ليست جديدة وان المستشفيات اجرت مئات العمليات المشابهة بأسلوب وتقنية أفضل. مشيرين إلى أن لا شيء في سجل الطبيب المكرم يدل «على براءة اختراع حقيقية، ولم نر اثراً لها، اضافة إلى ان كل ما وجد على موقع pubmed.gov المعروف هو عبارة عن بحث عادي يتحدث عن حالة مرضية نادرة... اما غير ذلك فلم نرصد براءة الاختراع».واضاف هؤلاء ان ما قاله السرطاوي في شأن تلك التقنية «قديم وشبه منسوخ من أبحاث طبية سابقة لأطباء معروفين عالمياً، وإننا كاستشاريين كويتيين أجرينا مئات عمليات تبديل مفصل الركبة بتقنيات وأساليب دون قطع الاربطة أو العضلات وفي مدد زمنية قياسية من دون ألم أو مضاعفات، بحيث يستطيع المريض بعدها المشي ومزاولة حياته اليومية بشكل طبيعي وفي مدة قليلة».واستغربوا الهالة الاعلامية التي حظي بها الدكتور السرطاوي وتجاهل الوزارة لغيره من الاستشاريين العاملين في مستشفى الرازي، وغيره من المستشفيات العامة والخاصة «حيث استطاع اطباء كويتيون ان يدخلوا الكويت دائرة الدول التي تتمتع بسياحة علاجية من خلال ابداعاتهم في اجراء عمليات تبديل مفاصل الركبتين بأقل من ساعة ونصف الساعة ومن دون قطع اربطة ولا عضلات وتسيير المريض على قدميه في اليوم نفسه لاجراء العملية».وفيما اكتفى احد اشهر جراحي الركبة في الكويت (رفض ذكر اسمه) بالقول لـ «الراي» رداً على الاحتفالية التي اقامها وزير الصحة للسرطاوي: «اللهم انفع الكويت بعلمه»، قال الاستاذ في جامعة الكويت ومستشفى مبارك الدكتور محمد جمال: «ان ‏الإعلام الطبي في الكويت يجب أن يتحلى ببعض الوعي، ومن الخطأ تضخيم إنجازات وهمية، فذلك يصنع أطباء يكذبون لأجل الشهرة وذلك مخالف لأخلاق المهنة».وأضاف «نحن الأطباء نصمت عندما يضخم الإعلام من إنجازات وهمية، وكلنا نعرف أنها وهمية ونتندر عليها بمجالسنا، وان من المستغرب أن لايعرف الإعلام والوزارة ذلك».واكمل استغرابه قائلاً «عملية قديمة معروفة تصبح اختراعاً، وطبيب لا يلتزم بعقده للبعثة فلا يعود لوطنه يصبح وطنيا (...) من يدعي ابتكار أي شيء يجب أن يجلب البحث الذي أجراه ونشره في مجلة علمية محكمة حتى يثبت ادعاءه»، متسائلاً: «اذا تكلمتم عن الأطباء فأينكم عن الشباب المبدعين (...) من يعملون بصمت ويخدمون الناس من دون اثارة الجلبة؟».وبالعودة إلى الأطباء، الذين راعتهم المساواة، فأعلنوا أنهم ربما كانوا يلتمسون العذر للوزير، لو أن التكريم تم في إحدى ردهات وزارة الصحة، بغض النظر عن مدى استحقاق البعض، «أما أن يتم توريط الديوان الأميري فذلك يطرح الكثير من التساؤلات، خصوصا عندما يكون في حضرة المقام السامي، أي أعلى تكريم يتطلع اليه المبدعون من حملة الرتب في مجالات تخصصهم، والحلم الذي يراودهم في مسيرتهم، علّهم يحظون بهذا الشرف من والد الجميع، فيسعدون بثنائه وتوجيهاته السامية».وأخذ هؤلاء على الوزير الحربي استسهاله الأمر، وهو ابن وزارة الصحة وصاحب الباع الطويل في التدرج بمناصبها إلى أن أصبح وزيراً، متسائلين ما إن كان فاته أن «أهل مكة أدرى بشعابها؟»، وما إن كانت قد غابت عن ذهنه القوائم الطويلة بأسماء الأطباء الكويتيين الحاصل بعضهم على تنويهات عالمية من جامعات عريقة، ربما تمنى القائمون عليها لو أن الأطباء الكويتيين بقوا للعمل هناك، لكنهم آثروا العودة إلى الوطن ليستفاد من خبراتهم، ومنهم من كانت تعقد لأجل الحديث عن براءات اختراعاتهم الدوائر التلفزيونية المغلقة، جامعة أطباء من كل حدب وصوب ليتعرفوا على التقنية الكويتية الجديدة.وزادوا: «هل يستغرب أحد لو أن بعضاً من هؤلاء استجاب، على مضض ونتيجة الإحساس بظلم ذوي القربى الأشدّ مرارة، لمغريات الخارج، ونزع الرداء الأبيض الكويتي ليلبس نظيره من جنسية أجنبية في بلد يفتح ذراعيه للعقول المبدعة؟، وهنا تذكر يا معالي الوزير أن كلفة هجرة الأدمغة أعلى بكثير من كلفة هجرة الأموال».وأضافوا: «الوزير يعلم حتماً حجم المهمة التي تنتظره في تطوير الخدمات الطبية، وتحديات افتتاح وإدارة مستشفيات جديدة، ولن يفوته من دون شك كم يحتاج إلى الكوادر الكويتية الكفؤة في رحلة تبديل الوجهات من علاج في الخارج إلى علاج في الداخل». وأورد هؤلاء أسماء قائمة طويلة بالأطباء المتميزين الكويتيين لا يتسع المجال لعرضها، متسائلين: «هل سنشهد قائمة جديدة قريباً من المكرّمين، حتى لا نرفع شعار ضياع الرُتب تحت الرُكب؟...الجواب عندكم معالي الوزير». وختم هؤلاء: «هل سبب حفلات تكريم اطباء بعينهم هو استمرار تخبط الوزير في قراراته وعدم معرفته او تحققه مما يقولون انه براءة اختراع أم ان لها علاقة بإدارة مستشفى جابر وما يحكى عن عقود مع شركات اجنبية؟».