صرخة ذات اتجاهين مختلفين أطلقها أطباء من ديوانية «الراي» تلخص الواقع الميداني، وتمثل مطلبا ملحا لكل أعضاء الجسم الطبي في وزارة الصحة. ففي الاتجاه الاول كانت الصرخة موجهة إلى مجلس الأمة لإقرار قانون حماية الطبيب الذي سيحد من ظاهرة الاعتداء عليهم، وفي الاتجاه الثاني، كانت الدعوة لمسؤولي وزارة الصحة بالتواصل مع الميدان والاستماع لمشاكل ومعاناة الأطباء والعمل على معالجتها، والبعد عن مفهوم «الارستقراطية الطبية» او سيادة مبدأ «حكم النخبة الطبية العليا» في اتخاذ القرارات لقضايا مصيرية تمس الاطباء.عدد من الاطباء العاملين في وزارة الصحة استضافتهم ديوانية «الراي» أكدوا ان المشاكل في القطاع الصحي واضحة، والحلول موجودة، وان المطلوب قرار فيها، مؤكدين ان التواصل المباشر مع قيادات الوزارة يقرب المسافات بين مكونات الكيان الطبي كلها.وطالب الاطباء «بالنأي بالقطاع الصحي عن التدخلات السياسية» مؤكدين ان «هناك أولويات للطبيب على الوزارة ان تنتبه إليها لانها تاخرت فيها كثيراً،ومنها التأمين ضد الاخطاء الطبية والوصول الى صيغة واضحة فيه». وأشاروا الى عدد من التحديات التي تواجهم خلال عملهم، من أبرزها الاعتداءات المتكررة وضعف الحافز المادي، لافتين في هذا الشأن الى أنهم باتوا يخشون الحصول على إجازتهم الرسمية لقطع بدل الخفارة عنهم.وحمل الاطباء في جعبتهم كثيرا من القضايا والهموم ألقوها على مائدة «الراي» معربين عن أملهم في ان تجد الاهتمام والتجاوب معها من قبل قيادات الوزارة. وللتعرف على مزيد من مطالبهم والتحديات التي يواجهونها نتابع السطور التالية.بداية، قالت الدكتورة نوف العنزي عن المطلوب من وزير الصحة ان المشاكل واضحة والحلول موجودة، والتحديات لن تحل الا عبر خطة، وان المطلوب من الوزير قرار، منتقدة في الوقت ذاته دور الجمعية الطبية حيال قضايا وهموم الاطباء.ولفتت العنزي الى ان «هناك من لديه حلول ومستعد لتقديمها لكن المشكلة في التواصل داعية في الوقت ذاته لمزيد من التوعية لتخفيف الضغط على المستشفيات، وليعرف المريض متى يذهب الى حوادث المستشفيات أوالمستوصف بما يمكن معه تلافي مشكلة الازدحام الذي قد يقود الى الاعتداء على الاطباء».من جهتها أكدت اخصائية الجراحة في مستشفى مبارك الدكتورة فاطمة خاجة ان «هناك أولويات للطبيب وعلى الوزارة ان تنتبه إليها لانها تأخرت فيها كثيراً،ومنها التأمين ضد الاخطاء الطبية والوصول الى صيغة واضحة فيه، لأنه ليس هناك دولة في العالم ليس لديها تأمين ضد الاخطاء الطبية».وأشارت الى أن أبسط حقوق الأطباء المعاش، وللأسف بات الاطباء يخشون الحصول على إجازتهم الرسمية لقطع بدل الخفارة كاملاً عنهم خلال مدد عطلهم الرسمية، منتقدة تساوي التخصصات الطبية في الأجور وتساوي من يمارس المهنة بمن عمله إداريورأت خاجة ان«الرسالة والدور التوعوي المختص باللجنة الاعلامية في وزارة الصحة لا يصلان بالشكل السليم، وعليه أصبحت صورة الطبيب مهتزة بسبب قصور الوزارة». واستغربت على صعيد خر قيام الوزارة بابتعاث الاطباء للدراسة في الخارج وابتعاث مرضى في نفس تخصصاتهم التي درسوها في الخارج لافتة الى أن الوزارة بهذا تهين الطبيب الكويتي.وشددت على ضرورة توفير إجراءات حماية للطبيب، لافتة الى ان «الاعتداء على الطبيب يكلف الدولة اكثر من حمايته لما يترتب على الاعتداء من تعطل الرعاية الصحية لعدد من المرضى المسؤول عنهم الطبيب المعتدي عليه».من جانبه قال الطبيب في مركز الكويت للصحة النفسية الدكتور محمد السنافي ان «الآمال على وزير الصحة الدكتور جمال الحربي كبيرة في النهوض بالوزارة، وتحقيق التنمية والتطوير في شتى مجالات، واجتثاث الفساد أينما حل بعيدا عن المجاملات».وأضاف أن»ذلك لن يتم إلا بتضافر جميع الجهود وتطبيق مبدأ الشفافية بين عصب الوزارة، وهم الأطباء انتهاء برأس الهرم والمتمثل بوزير الصحة،لافتا الى ان التواصل المباشر والدوري من شأنه تقريب المسافات بين الكيان الطبي أجمع».وأشاد السنافي بالاجراءات التي قام بها وزير الصحة بعد حادثة الاعتداء على مدير المستشفى الأميري، وتفاعله السريع وجهوده الدؤوبة لمنع تكرار مثل هذه الحوادث. وأشار الى وجوب حث الجمعية الطبية ومطالبتها بتفعيل دورها من عقد اجتماعات و ندوات بصفة دورية للاطلاع على مشاكل الأطباء وتلبية متطلباتهم مرتئيا ان تطوير أى مرفق صحي يكمن بالتطوير والاستثمار في العنصر البشري والمتمثل بالطبيب وتحسين نظام البوردات الطبية في الكويت.من جانبه أشار استشاري الغدد الصماء والسكر بمستشفى مبارك الدكتور أنور حياتي الى ان «هناك طرقا عديدة من شأنها تخفيف الضغط على قسم الحوادث في المستشفيات منها تطبيق نظام الـ triage والمعني بفلترة الحالات وترتيبها على حسب خطورتها وأولويتها».وأضاف حياتي أن «ظاهرة الاعتداء على الأطباء تمثل هاجسا وعائقا في وجه الأطباء للقيام بواجباتهم وخدماتهم للمريض. وعلمنا أخيراً نية وزير الصحة الدكتور جمال الحربي وضع قانون لحماية الطبيب عن طريق تشكيل لجنة خاصة تضم الوزارة والجمعية الطبية وممثلين عن الاطباء من خارج الجمعية. وماحدث ان الوزير قام بتقديم مشروع قانون ما يسمى (حماية الطبيب) الى اللجنة الصحية دون توضيح لبنود هذا القانون وتفاصيله أو للمعنيين بهذا التشريع وهم الأطباء ويحق لنا التساؤل المشروع، بمدى ملاءة أن يتم إلزام الاطباء بقانون أو حتى سنّه دون الرجوع إلينا أو حتى مشاورتنا لتنقيحه بما يتناسب مع خصوصية عملنا».واضاف «ما نريده هو الشفافية والعمل الجماعي لإنجاح المنظومة الصحية وليس المركزية واستخدام مفهوم (الارستقراطية الطبية) او سيادة مبدأ (حكم النخبة الطبية العليا) في اتخاذ القرارات لقضايا مصيرية تمس الاطباء عامة في المقام الأول وطال انتظار وضع الحلول لها على مدى سنوات طويلة».ولفت الى ان «التعاطي مع القضايا الاساسية مكون من شقين الشق الأول سياسي وهو معني بإرضاء الشارع السياسي بتصريحات وقرارات وزارية. والشق الثاني يتمثل في الجانب الفني وحل المشاكل الداخلية والاجتماع بالكيان الطبي». لافتا الى ان القيام بشق دون الآخر يتسبب دائما بخلل جلي وواضح داخل المنظومة الصحية لذا وجب علاج المشكلة على أكمل وجه بشقيها الفني أولاً ثم السياسي.من جهته اعتبر اخصائي طب العائلة في مستوصف منيرة العيار الصحي طلال أيوب ان «أى وزير يحكم بالارهاب السياسي اذا كان خائفا على مصلحته، ونقول ان عليه إن شعر بضغوط سياسية عليه فليقدم استقالته ويترك منصبه».وأشار الايوب الى أهمية تجديد الدماء في مراكز الرعاية الاولية وعدم التجديد التلقائي لرؤساء مراكز الرعاية بعد انتهاء مددهم المقررة، مؤكدا انه كلما تم تجديد الدماء تطور المكان «وان التجديد لرؤساء مراكز الرعاية الاولية كل سنتين لا ينبغي ان يكون تلقائيا». ونوه الى ان «الشخص عندما يكون ضامنا الاستمرار في منصبه فانه يفقد الحافز التطويري ويقتل الامل والطموح لمن في المرتبة التالية لهم، مشيرا الى ان اللوائح التي تحكم عملية التدوير في مراكز الرعاية الاولية غير مفعلة، وان التدوير وتجديد الدماء موكل فيها الى عزرائيل وان هذا قد يكون على مستوى الدولة في الرياضة والاقتصاد وغيرهما».وأضاف الايوب ان «الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» لافتا الى ان ما يحدث هو ان المواطن يرهب النائب والنائب يرهب الوزير والوزير يضحي بالعمل والوزارة مشددا على ضرورة ان يشعر الجميع من أكبر الى أصغر مسؤول بالمسؤولية اتجاه الوطن، وان تكون القلوب والضمائر على الكويت، فبدون ذلك لن يتم تعديل شيء مهما كانت هناك من خطط وقوانين.بدوره طالب مسجل باطنية في البورد الكويتي الدكتور طلال العرادي بزيادة عدد مقاعد البورد الكويتي في بعض التخصصات نادرة، مضيفا ان بعض التخصصات يقبل فيها طبيب واحد رغم انه تخصص نادر فلماذا لا تزيد عدد المقاعد خاصة ان هناك اطباء لديهم ظروف ولا يستطيعون السفر للخارج ويفضلون اكمال دراساتهم هنا. ودعا العرادي الى منح مزيد من الصلاحيات لمراكز الرعاية الاولية لتخفيف الضغط على المستشفيات مع منح مزيد من الصلاحيات للعاملين في المهن الطبية المساندة.من جهته قال اختصاصي الكلي والامراض الباطنية بمستشفى مبارك الدكتور يوسف بهبهاني أن هناك 3 رسائل يريد ايصالها أولها للحكومة، وهي أن المهنة الطبية من أهم المهن الانسانية ومن الخدمات الاساسية، التي ينبغي الا تدخل فيها السياسة، وان القطاع الصحي لابد ان يبعد عن التسيس.ورأى أن الاولوية الثانية هي إعادة ثقة المواطن والمقيم بالنظام الصحي الكويتي، معتبرا ان «كل ما قامت به الوزارة في الفترة الاخيرة كان على العكس تماما، حتى وصلنا الى زيادة مطردة في الاعتداء على الاطباء، وأحد أسبابها الرئيسية الوزارة، والتي تخرج وتصرح ضد اطبائها».وأشار الى أن «الوزارة قامت بعدة خطوات نسفت بها ثقة المواطن بالنظام الصحي، وأن المطلوب منها إعادة النظر في ذلك لافتا الى ان الوزارة تعامل المراجع والمريض على انه زبون، وان الزبون دائما على حق، وهذا يخلق شعورا لدى المراجع ان الطبيب مجرد موظف يتقاضى أجرا مقابل خدمة يوفرها، مع تغييب الجانب الإنساني وهو الأساس في احترام الناس للطبيب».وبين أن «الاطباء والطاقم التمريضي غير مؤهلين أو مدربين للتعامل مع الحالات الصعبة لمريض غاضب لكونهم لم يتلقوا تدريبا على هذا الأمر لافتا الى ان لعلاج الاعتداء على الاطباء لابد من من إعادة الثقة بالنظام الصحي وتغيير النظرة للطبيب، واعتبار المسألة من الجانب التشريعي حق عام لا يحق للطبيب ان يتنازل عنه مع تدخل الواساطات أو حب الخشوم». ولفت الى ان «الاطباء الوافدين لا يشعرون بالامن الكامل مؤكدا ضرورة ان تكون المسألة حق عام لان الاعتداء على طبيب هو اعتداء على كل الاطباء مع ضرورة ان تقوم الوزارة بالدفاع عن إطبائها».وشدد بهبهاني على ضرورة توفير فرق مدربة ومتخصصة في حالات الاعتداء من كوادر مدربة وأطباء وممرضين واخصائيين اجتماعيين وعناصر أمن مع الاعتبار انها ليس شرطا ان تكون من الشرطة. وأشار على صعيد مختلف الى قضية الاهتمام بالمريض في مرحلة ما بعد المستشفى، لافتا الى ان لديه نحو 30 في المئة من المرضى محجوزين في المستشفى ولا يستطيع إخراجهم لعدم توافر مكان مناسب يذهبون اليه سواء مراكز تأهيل أو خدمة اجتماعية أو ما عنده بيت أو أهله لا يريدون.ولفت الى أن «تركيز الوزارة لا ينبغي أن يكون على الاطباء فقط، كون ان هناك أجزاء مهمة من النظام الصحي نغفلها تماما ومنها الطب المساند حيث نسبة الممرضين الكويتيين لا تتجاوز 6 في المئة فضلا عن ان الاخصائيين الاجتماعيين لا يتلقون اي نوع من التدريب وكذلك أخصائي التغذية والعلاج الطبيعي والمهني وتخصصات أخرى مهمة جدا».
محليات
دعوا مجلس الأمة لإقرار قانون حمايتهم... ومسؤولي الوزارة إلى التواصل معهم والاطلاع على معاناتهم
أطباء من ديوانية «الراي» لقيادات «الصحة»: لا للارستقراطية و«حكم النخبة»... احمونا واسمعونا
07:20 ص