فيما لبنان غارقٌ في ملفٍّ «مزمنٍ» عنوانه قانون الانتخاب الجديد و«المَخرج» الذي سيُعتمد لـ «النفاذ» بالانتخابات النيابية المقبلة (مايو 2017) من «خروم» المصالح والاعتبارات المتضاربة للقوى السياسية التي تجعل القانون الذي سيحكمها مترنِّحاً بين «تجديد صيغته» او «الإبقاء على القديم» (الستين) مع بعض «الروْتشات»، تزداد المؤشرات الى ان هذا الاستحقاق في مقاربة «بُنيته القانونية» او مآله على صعيد التوازنات، يشكّل إحدى «طبَقات» التسوية التي أبصرتْ النور في 31 اكتوبر الماضي مع انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية ثمّ تشكيل زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري الحكومة ومعاودة المؤسسات انتظامها.ودهم بيروت امس موقف معبّر أطلقه وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف من دافوس وأعلن فيه انه «يجب أن تتعاون إيران والسعودية بشأن سورية بعد حوارٍ ناجح بشأن لبنان»، وهو الموقف الذي اعتبرت دوائر سياسية انه يلاقي ما كانت «الراي» أشارت اليه ابان زيارة مستشار وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والافريقية حسين جابر الانصاري لبيروت (في 22 ديسمبر الماضي) من ان التسوية الرئاسية في لبنان، سواء تمّت بتفاهم مباشر بين الرياض وطهران او كانت بالدرجة الأولى بدفْع داخلي وعدم ممانعة اقليمية، انما تعبّر عن «فك اشتباك» ايراني - سعودي في لبنان وإبقاء «بلاد الأرز» مساحة لـ «حفظ خط الرجعة» كإثبات ان «خيوط الحلول السياسية» في المنطقة لم تُقطع بالكامل بعد.وما جعل كلام ظريف يكتسب أهمية أكبر انه يتزامن مع تزايُد إشارات التباين الروسي - الايراني حيال الملفّ السوري على أكثر من مستوى ميداني كما ديبلوماسي (كما بالنسبة الى الموقف من دعوة الولايات المتحدة الى مؤتمر الأستانة)، وصولاً الى اعتبار موسكو انها صاحبة الفضل في إنقاذ النظام السوري من السقوط وهو ما عبّر عنه وزير خارجيتها سيرغي لافروف بإعلانه ان دمشق كان يفصلها قبل التدخل العسكري لبلاده «أسبوعان أو 3 أسابيع عن السقوط بأيدي الإرهابيين»، الأمر الذي يَطرح أسئلة حول أدوار اللاعبين الاقليميين (في مراحل ما بعد العمليات العسكرية) في الساحات التي يحضر فيها «الجبابرة».ومن هنا، ترى أوساط سياسية عبر «الراي»، ان ايران تبدو امام مرحلة «تَفكُّر» في المرحلة المقبلة سواء بالنسبة الى علاقتها مع روسيا او مع «اميركا الجديدة» في عهد دونالد ترامب، وهو ما يستدعي محاولة «تبريد» العلاقة مع السعودية، على ان يشكّل لبنان «مختبر النيات» في هذا السياق، الأمر الذي بدأ مع التسليم بعودة الرئيس الحريري الى الحكم بعد نحو 6 أعوام من الإطاحة به في «انقلابٍ» سياسي قاده «حزب الله» والعماد عون.وبحسب هذه الأوساط، فإن قانون الانتخاب ومجمل الاستحقاق النيابي يشكّل بهذا المعنى امتداداً لمحاولة «التعايش» الايراني - السعودي في لبنان تحت سقف تسوية عون - الحريري، ملاحِظة انه من «خلف الغبار» المثار حول اي قانون يُعتمد للانتخابات المقبلة، جديدٌ يقوم على النسبية ولو جزئياً او أكثريّاً يعني ضمناً الإبقاء على قانون الستين الحالي ولو مع بعض التعديلات، يُلاحظ ان «حزب الله» الذي كان رفع السقف سابقاً الى الأعلى بمطالبته بقانون على اساس النسبية الكاملة ولبنان دائرة واحدة، يطلق اليوم اشارات واضحة الى انه مستعدّ لإجراء الاستحقاق النيابي على أساس القانون النافذ الذي جرت على اساسه انتخابات 2009 بحال تَعذّر إقرار قانون جديد لأن التمديد للبرلمان «غير وارد».ويشكّل ترْك «حزب الله» الباب مفتوحاً أمام امكان إجراء الانتخابات وفق «الستين» تحت عنوان «الانتخابات بمواعيدها أولوية على القانون»، مؤشراً الى رغبةٍ في تعميم «المهادنة» داخلياً على قاعدة الحفاظ على التوازنات التي كانت أفرزتها انتخابات 2009 عوض «المخاطرة» بقانون نسبي يتحفّظ عنه «تيار المستقبل» ضمناً (كما النائب وليد جنبلاط علناً) ويمكن ان يسمح بـ «الأكل من صحن» الحريري وحجمه لمصلحة خياراتٍ متشددة ضمن الطائفة السنية، ناهيك عن ان أيّ محاولة لإضعاف زعيم «المستقبل» ستعني حرق اي جسور يراد مدّها مع الرياض.وفي حين حضر قانون الانتخاب كعنوانٍ في مداخلات بعض النواب في اليوم الاول من الجلسة التشريعية للبرلمان امس، والتي لم يُدرج على جدول أعمالها هذا الملف، واصل النائب جنبلاط تكريس اعتراضه على اي قانون يعتمد النسبية مؤكداً تمسُّكه بقانون أكثري مع جعل قضاءيْ الشوف وعاليه (مركز نفوذه) دائرة واحدة، بمعنى انه يقترح تطوير قانون «الستين» وربما مع تعديل في توزيع النواب في عدد من الدوائر لتحسين التميل الطائفي والحدّ من اعتراضات القوى المسيحية الوازنة على العودة الى قانون 2009.وقد زار وفد ممثل لجنبلاط امس الرئيس عون قبل الجلسة التشرعية والتئام مجلس الوزراء برئاسة الحريري، وأعلن باسمه النائب غازي العريضي انه بالمعيار الطائفي «نتمنى ان يؤخذ برأي الطائفة الدرزية التي تؤيد الشراكة في الجبل وفي لبنان انطلاقاً من المصالحة التاريخية في الجبل مع البطريرك نصرالله صفير، وفي النهاية نحن لا نطلب شيئاً لاحد لا يريده لنفسه»، موضحاً انه وفق التمثيل الطائفي «هناك 8 نواب للطائفة الدرزية، 4 منهم لا ينتخبهم الدروز اي نصف عدد نواب الطائفة، ما عدا الشوف وعاليه ويجب مراعاتنا في هاتين المنطقتين، ونحن وضعنا كل هذه الهواجس بين يدي الرئيس عون».وفي موازاة ذلك، أطلّ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في مناسبة الذكرى السنوية الأولى على «تفاهم معراب» الذي رشّحت بموجبه «القوات» العماد عون لرئاسة الجمهورية، مستحضراً موجبات اعتماد هذا الخيار وترشيح الخصم التاريخي لـ «القوات»، لافتاً الى ان «انتخاب العماد عون وخطاب القسم وتكليف الرئيس الحريري وتشكيل الحكومة ورسالة الاستقلال وتخصيص (عون) زيارته الخارجية الأولى للسعودية وقطر، وإعادة الربط مع العمق العربي، أثبتت تلك المحطات كلها ان خيار القوات كان في محله».