لا صوت يعلو فوق ما بات يشبه «معركة طواحين الهواء» التي يشهدها لبنان على جبهة قانون الانتخاب الذي يبدو انه محكومٌ بمعادلة الـ «جعجعة بلا طحين» سواء في ما خص المساعي لبلوغ قانونٍ جديد تجري على أساسه انتخابات مايو 2017 او في ما يتعلّق بـ «الصراخ» الذي بدأ يعلو من الأطراف المسيحية الوازنة بوجه أي عودة لاعتماد الصيغة التي تمّ بموجبها استحقاق 2009 النيابي او ما يُعرف بـ «قانون الستين».وتزداد المؤشرات في لبنان الى ان الأيام المقبلة ستزخر بعملية «تطاحُن» بين 3 استحالات هي: استحالة التوافق على قانون جديد في الفترة القصيرة الفاصلة عن دعوة الهيئات الناخبة (21 فبراير) في ظلّ «الفيتو» الحاسم من النائب وليد جنبلاط بوجه اي قانون يعتمد النسبية كنظام اقتراع ولو جزئياً مقابل رفْض الثنائي الشيعي رئيس البرلمان نبيه بري و«حزب الله» اي بديل لـ «الستين» لا يرتكز على نسبية معتبَرة، واستحالة التمديد الثالث للبرلمان من دون وجود قانون جديد يغطي مثل هذه الخطوة ويعطيها الطابع التقني المقرون بمهلة قصيرة لا تتجاوز 4 او خمسة أشهر، واستحالة «القفز» فوق الاعتراض المسيحي على العودة الى «قانون الستين».وما زالت أوساط سياسية في بيروت ترى ان هذا «التطاحُن» لن يفضي إلا الى التسليم بأن الانتخابات المقبلة ستحصل وفق «الستين» وإن «لمرّة أخيرة»، لافتة الى ما تشهده الساحة اللبنانية حالياً هو أقرب الى عملية «تفاوُض على حدّ السكين» رفعاً للشروط وللأثمان التي يمكن ان «تُدفع» للمعترضين الشرسين على قانون 2009 على شكل تعديلاتٍ تسمح بجعل الشارع «يتجرّع» هذا الخيار بأقلّ الأضرار على القوى التي تقف على مشارف منازلات انتخابية باتت «تزنّرها» مزايدات شعبية من هنا وهناك.وبحسب هذه الأوساط، فإن «حصة الدروز» من «كعكة الميثاقية» التي يعتبر جنبلاط انها تتأمّن من خلال قانون أكثري يُبقي قضائيْ الشوف وعاليه دائرة واحدة، و«الميثاقية» التي يعتبر المسيحيون أنها تُستكمل، بعد انتخاب الرئيس «القوي»، بقانون جديد (غير الستين) يضمن حُسن تمثيلهم الطائفي، لا بدّ ان تلتقي في «نقطة وسط»، رغم خطورة انزلاق «شدّ الحبال» في قانون الانتخاب الى الاستقطاب الطائفي في ظلّ «فيتو» جنبلاط وتأييد كل من تيار «المستقبل» (يقوده الرئيس سعد الحريري) والرئيس نبيه بري إجراء الانتخابات في موعدها ولو على الستّين «لان التمديد غير وارد».وفيما نُقل عن بري بوضوح أمس «ان السير بالستين أقلّ سوءاً من التمديد» رافضاً أيّ عمليات «تجميل له لأنه يستحق الدفن أساساً» ومعتبراً انه يقبل بالستين ولو على مضض لأنه «لم يعد مقبولاً القبول بهذا الخيار المُر (التمديد) ولو لدقيقة واحدة، فإن«التيار الوطني الحر»(حزب الرئيس عون) رفع السقف الى أعلى درجة عبر بيان مكتبه السياسي اذ هدّد بـ«ثورة شعبية» لمواجهة «الستين» ومحاولة التمديد للبرلمان، فيما كانت مصادر«القوات اللبنانية»تكرّس بدورها الرفض القاطع للعودة الى«الستين»، وكذلك حزب«الكتائب اللبنانية».ووسط اعتبار الأوساط السياسية ان عهد عون بات بين «مطرقة» إضعاف اندفاعته بالعجز عن إقرار قانون جديد للانتخاب كان التزم به أمام جمهوره وبين«سندان»جرّ البلاد الى مأزق كامل بحال أطيح بالانتخابات وتُركت الأمور للعب على حافة انتهاء ولاية البرلمان مع ما يعنيه ذلك من ضربة موجعة لعهده تجاه الخارج، كان بارزاً حرص 28 وزير خارجية دولة أوروبية على المطالبة بعد اجتماعهم في بروكسل اول من امي باجراء الانتخابات النيابية في موعدها، مرحبين بعودة الحياة الديموقراطية إلى المؤسسات اللبنانية بانتخاب عون وتشكيل حكومة برئاسة الحريري.وقد أطلّ عون امس على الواقع اللبناني خلال استقباله ممثلي البعثات الديبلوماسية المعتمدة لمناسبة تقديم التهاني بالسنة الجديدة، اذ أكد ان «أولى أولوياتنا تنظيم انتخابات وفق قانون جديد يؤمن التمثيل الصحيح لكافة الفئات»، معتبراً «ان تخوف بعض القوى من قانونٍ نسبي هو في غير محله لأن وحده هذا النظام يؤمن صحة التمثيل وعدالته للجميع».واعلن ان إرادته كرئيسٍ«تأمين الاستقرار وحماية سيادة الدولة وصيانة الوحدة الوطنية ومنع استجرار الفتن». واذ ناشد في ملف النازحين الدول«ان تتحمل مسؤولياتها لأن تداعيات موجات النزوح الكثيف غير المسبوقة في تاريخنا المعاصر تهدد وجود جميع الأوطان واستقرارها»، أعلن ترحيب لبنان«بكل مبادرة من شأنها أن تؤدي إلى حل سلمي سياسي للأزمة في سورية»، منتقداً «السياسات الدولية التي أوصلت الوضع في الشرق الأوسط إلى ما هو عليه»، ولافتاً الى«ان إطفاء الحرائق صار حاجة عملية ومصلحة في آن، لأن النيران بدأت تحرق أصابع مَن صنعها».واعتبر انه في الأعوام الأخيرة، بدأ مشروع ما سمي «الفوضى الخلاقة» في منطقتنا، فاشتعلت الحروب الداخلية في الدول العربية، وسُمي ذلك بـ«الربيع العربي»، سائلاً «ماذا شهدنا من ذلك الربيع؟ هل الربيع يكون بإلغاء معالم الحضارات القديمة التي أسّست لحضاراتنا اليوم؟ هل يكون بتهديم الكنائس والمساجد ودور العبادة، وبتحطيم الآثار؟! هل يكون بذبح الأبرياء وتدمير المدن؟! هذا يا سادة جحيم العرب وليس ربيعهم». وأضاف: «ما الذي أنتجته»الفوضى الخلاقة «غير الحقد والكراهية والآلام والضحايا؟ لنا كل الحق في هذه التساؤلات ونوجهها للدول التي تتجاهل حقوق الإنسان ولا تتذكرها إلا وفق مصالحها، تلك الدول التي تسمي إرهاباً كل ما يمس بأمنها، وتسمي»ثورة«كل الإرهاب الذي يخدم مصالحها».ووجّه صرخة إلى العالم بأنه «لإرساء السلام عليكم أن تجدوا حلولاً لمشاكل المنطقة لا تقوم على القوة بل على العدالة».وكان السفير البابوي عميد السلك الديبلوماسي المعتمد لدى لبنان غبريللي كاتشا ألقى كلمة لفت فيها الى«ان الارادة الداخلية الصلبة في لبنان اضافة الى التفاهم الاقليمي والدولي، ساعدت في التغلب على بعض المراحل الدقيقة والصعبة(...)»، متمنياً«ان يكون التوافق الواسع في لبنان الذي أتاح تفاهماً بين جميع المكونات، بداية مسيرة تشمل قريباً المنطقة بأسرها»، مهنئاً عون على زيارتيه للسعودية وقطر «وقد جرت بروح التفاهم ووفق إرادة الحوار عينها، كوسيلة لتسوية التباينات وطمأنة الهواجس، مع الأخذ في الاعتبار مصالح اللاعبين الاقليميين واهتماماتهم».