في بداية كل سنة بالتحديد، عادة ما أخصص يوماً أو أكثر لترتيب أوراق المكتب والكتب التي انتهيت من قراءتها، وصف المستندات والأوراق التي أملكها، وفي النهاية التخلص مما قد لا أحتاجه، وأنا متيقن أن الأغلب يقوم بذلك وأن كمية الكتب والأوراق التي نجمعها بالنهاية في سلة القمامة أكبر بكثير مما ستكون لدينا في مكاتبنا!ومن بين الأوراق المكدسة في أحد أدراج المكتب، وقعت عيني على مقالة كنت قد كتبتها قبل خمس سنوات تقريباً بعنوان «أحياناً... الجهل نعمة». ولا أعلم لماذا انتابتني رغبة لأعيد قراءة هذه المقالة، لأجد بين ثناياها قصة جميلة ومعبرة أحببت عزيزي القارئ أن أشاركك إياها مرة أخرى!تبدأ القصة عندما اجتمع شيخ دين ومحامٍ وعالم فيزيائي حكم عليهم بالإعدام، وعندما جاء موعد تنفيذ الحكم سألوهم جميعاً إن كانت لديهم كلمة أخيرة أو وصية يوصون بها قبل إعدامهم.بدأت الحكاية مع شيخ الدين فقال إن الله وحده هو من سينقذني من هذا الحكم ولم ينطق بأي كلمة بعدها، فما كان بعد ذلك إلا أن أنزلوا عليه المقصلة، إلا أنها توقفت عند رأس شيخ الدين قبل أن تقطعه فأمروا أن يلغوا حكم الإعدام عليه لأن الله قد قال كلمته.جاء بعدها الدور على المحامي فقال قبل أن يعدم إن العدالة وحدها هي من ستنقذني وتوقفت كذلك المقصلة قبل أن تقطع رأسه، وأمروا نتيجة لذلك أن يوقفوا تنفيذ حكم الإعدام لأن العدالة هي الأخرى قد قالت كلمتها.أخيرا، جاء دور عالم الفيزياء فقال أنا لا أعرف الله كشيخ الدين ولا أعرف العدالة كالمحامي، ولكن كل ما أعرفه أن هذه المقصلة بها عقدة منعتها من أن تقطع رأس كل من شيخ الدين والمحامي! ونتيجة لذلك نفذ بحقه حكم الإعدام ولم ينجُ.عندها خطر ببالي بيت الشعر الشهير لأحد مفاخر الشعر العربي أبو الطيب المتنبي يقول فيه:ذو العقل يشقى بالنعيم بعقلهوأخو الجهالة بالشقاوة ينعمفأحيانا يكون الجهل بالشيء فعلا نعمة!Email: boadeeb@yahoo.com