‏لم أكن قادرة على استيعاب أن الشاعر الكبير مساعد الرشيدي غادرنا إلى دار الحقفصوته مازال يرن في أذني مردداً مقطعه الشهير: ما تشوفني حي قدامك وأنا أموت فيك.***هذا البيت من قصيدته الأشهر سيف العشق التي عرفته من خلالها في تسعينات القرن الماضي.***على غيمة من حزن نقلني خبر الوفاة إلى الزمن الذي عرفت فيه الشاعر، في ذلك الوقت كان الشعر يزهى في أبهى حضوره في حضرة شعراء عمالقة ملأوا الدنيا وشغلوا الناس حتى انشغل عنهم الناس بالأغاني في البداية التي امتزجت بكلماتهم وكان لمساعد منها نصيب في «عين تشربك شوف» و«صوتك اللي بقى لي من ليالينا» مع عبدالمجيد عبدالله ثم تراجعت كلمات الأغاني لمصلحة ال?يديو كليب في زمن البرتقالة.***وقبل تلقي خبر الوفاة الكئيب كنت استعد لكتابة هذا المقال وأفكر في جدوى الكتابة في زمن «السناب تشات» حيث أصبحت القراءة ثقيلة كمجهود عضلي على جيل يريد أن يرى ويسمع وهو منسدح... ومن الكآبة أن ينتهي عصر الكتابة.***حين جاء تويتر فأعاد للكلمة مجدها وأثبت أن الجيد يفرض نفسه وصدق في انتصاره للذائقة من خلال عودة فرسان الشعر إلى الواجهة مجدداً لكن شعبيتهم تأثرت قليلاً برحيل بعض مريديهم ومجيء جيل لا يريدهم لأنه لا يعرفهم.استوعبت ذلك حين سألني متابع مثقف عن مساعد الرشيدي بعد أن قرأ في «تويتر» خبر وفاته.***قلت لنفسي غاضبة كيف لا يعرف مساعد الرشيدي؟وهدأت حين استذكرت شعره وقصائده وأغنيته وأمسياته ورتبته العسكرية ووسط السيرة والمسيرة في حين أن أكثر الذين تسبقهم شهرتهم اللامحدودة لا يعرف لها سبب وتذكرت الذين رحلوا من الشعراء ولم ينالوا الحفاوة التي يستحقونها في عصرهم ثم أنصفهم التاريخ وخلدهم.***ثم تساءلت: هل يحتاج الشاعر للشهرة؟هل يحتاج أن يشار له بالبنان في ذهابه ومجيئه أم يحتاج إلى جمهور يقرأ قصيدته ويعي ما بين سطورها؟ويتشابك الشاعر وقصيدته في معادلة الشهرة وأظن أبسط قواعدها:إن الذي يعمل يبحث عن النجاح لعمله الذي يختبئ خلفه أما العاطل عن العمل فيبحث عن الشهرة والشهرة فقط بأي صورة وبأي شكل ليقتات منها.***وبين الشهرة والمجد فرق كبير وضحه الكاتب الجميل محمد الرطيان بقوله: الشهرة سهلة أخرج عارياً أمام هذا العالم... المجد صعب:انسج – وبهدوء – ثوب حكمة يستر عري هذا العالم.وهذا ما صنعه الشعراء لأن المجد للكلمة والكلمة تصنع الأمجاد.***ومثلما يتوقف الزمن عند الموت توقف الزمن في لحظة تلقي خبر وفاة الشاعر بين شاعريته وشعره عند القصيدة الأولى التي عرفته بها..«ما تشوفني حي قدامك وأنا أموت فيك»يقال: أصدق الشعر أكذبهلكن الشاعر الصادق حي عندما يموتومساعد الرشيدي من أصدق الشعراءومن شدة صدقه كتب معادلة موته ولم يكذبفهو حي في قلوبنا التي تموت فيه.@reemalmee