في ظل الجهود التي تبذلها الكويت من أجل الحفاظ على المستوى المعيشي لمواطنيها، دقت المتغيرات الاقتصادية والسياسية العالمية جرس الإنذار بأن مستويات الرفاه أصبحت مُهددة بعوامل دولية خارجية لا يمكن التحكم فيها.ويظهر الأمر جلياً في ظل التراجعات الحادة لأسعارالنفط خلال العامين الماضيين، وعلى الرغم من تعافي الأسعار نسبياً بعد اتفاق «أوبك» الأخير، إلا أن الأحداث التي تبعت ذلك، من ارتفاع معدلات الفائدة على الدولار، والتوقعات بارتفاعها مرات أخرى خلا ل 2017، تشكل هاجساً لدى المواطن الخليجي بصفة عامة والكويتي بصفة خاصة، في ظل توقعات بارتفاع أسعار معظم السلع والخدمات التي تباع محلياً بنسب لا يمكن التنبؤ بها، وهو ما يتطلب الاستعداد جيداً لـ 2017 وما بعده.وتنبع الحاجة للاستعداد للمتغيرات الاقتصادية، من رغبة المواطن الكويتي، في الحفاظ على مستويات المعيشة التي ينعم بها في الوقت الحالي، والذي لن يستمر إلا في حالة زيادة دخله من جهة، وضبط ارتفاع معدلات الأسعار من جهة أخرى، وإلا فإن عدم تحقيق ذلك سينعكس سلباً على القوة الشرائية، والذي سيترتب عليه انخفاض مستوى المعيشة.وقال استاذ اقتصاديات التمويل والاستثمار في جامعة القاهرة، الدكتور حسن الصادي، إن الدخل الحقيقي للمواطن محدود الدخل، سيتأثر بصورة طبيعية جراء ارتفاع معدلات الأسعار، الناتج عن تغير سعر صرف الدولار بالارتفاع أمام الدينار، وهو ما سيشمل أسعار السلع المستوردة، والتي تشكل الغالبية العظمى من المنتجات الموجودة في السوق الكويتي.وأضاف أن الزيادة في الدخل يجب أن تكون في حدود 10 إلى 15 في المئة، مقارنة بالدخل الدخل، ما يساعد على مواكبة التطورات الحالية في مستويات المعيشية..وأوضح الصادي أن معدلات الزيادة في الأسعار بالوقت الراهن، لن تكون ذات التأثير الكبير، نظراً لمحدودية ارتفاع معدلات الفائدة على الدولار، إلا أن الأمر قد يمثل تكلفة أكبر على المستوردين، وهو ما يتطلب معه زيادة الأسعار لتغطية تلك التكلفة، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة الأسعار بنسب طفيفة، قد لا تكون محسوسة في الوقت الراهن. واستبعد تحقق التوقعات بارتفاع معدلات الفائدة 3 مرات خلال 2017، خصوصاً وأن السياسة الأميركية تستهدف من وراء الرفعين الأخيرين، إعادة توطين الاستثمارات في الولايات المتحدة، عبر جذبها من الأسواق الناشئة والأوروبية، مع السيطرة علي النمو المطرد في الاقتصاد الصيني، ناهيك عن محاولة الحفاظ على مستوى التوازن ما بين الدولار والعملات الرئيسة الأخرى من جهة، والتأثير على الذهب والبورصات العالمية من جهة أخرى.وأكد أنه لو صدقت التوقعات برفع سعر الفائدة على الدولار بـ 3 حركات خلال 2017، لتصل إلى 1.5 في المئة (ضعف المعدل الموجود حالياً)، فإن الأسعار سترتفع معه بشكل كبير، ما يعني أن المواطن الكويتي البسيط ليس لديه أي خيار للحفاظ على دخله الحقيقي بما يزيد قوته الشرائية، والتي تعتمد بالدرجة الأولى على مستويات التضخم، وفروق سعر الفائدة بين الاقتصادات المحلية والأجنبية، وبصفة أساسية الاقتصاد الأميركي.وحدد الصادي الآليات التي يجب أن يلجأ إليها المواطن البسيط، من أجل الحفاظ على مستوى المعيشة التي ينعم بها في الوقت الراهن، لمجابهة المتغيرات الاقتصادية المتوقعة إلى طريقتين، الأولى هي البحث عن زيادة دخله النقدي، إذ يجب عليه البحث عن مصدر دخل آخر (دوام جزئي)، ليرفع به حجم دخله النقدي شهرياً، والحفاظ على قوته الشرائية في حال ارتفاع الأسعار، بما لا يؤثر على دخله الحقيقي (قدرته على الشراء) بالانخفاض.وقال إن الطريقة الثانية فتتمثل في تغيير نمط الإنفاق، إذ يجب على المواطن إعادة ترتيب قائمة أولوياته، والتخلي عن الكثير من السلع الكمالية (الكشخة)، ليعتمد على تلبية احتياجاته الأساسية، بما لا يؤثر على مستوى معيشته.ولفت الصادي إلى أنه على النقيض تماماً، فإن غالبية المواطنين الكويتيين، لن يفقدوا قدرتهم على الإنفاق الرأسمالي (شراء المنازل، والسلع المعمرة، والسيارات)، إذ إنهم تخطوا مرحلة التكوين، إلا أن الأمر سيتغير ليتحملوا تكلفة أكبر نسبياً حال القيام بعمليات الإحلال عبر تمويلات بنكية، والتي تستجيب للزيادات في معدلات الفائدة على الدولار، إذ قد ترتفع تكلفة خدمة الدين على قروضهم لعمليات الإحلال إلى أكثر من 6 في المئة إذا ارتفعت الفائدة على الدولار بالنسبة المتوقعة خلال 2017، كما أن قدرتهم على عمليات الاحلال بنظام «الكاش»، ستستمر دون تأثير إلا من خلال ارتفاع الأسعار في الأسواق.وذكر أن المواطنين محدودي الدخل من ذوي معدلات الادخار المنخفضة، يجب أن يجدوا فرصة استثمارية جيدة، من خلال الاستثمار المباشر في قطاع الخدمات قليلة التكلفة، الذي لا يحتاج مبالغ كبيرة، وهو ما يظهر جلياً في زيادة عدد (المطاعم، البقالات، المقاهي) المنتشرة بالبلاد، والتي تركز على الشكل وليس المضمون، بما لا يمثل قيمة مضافة للاقتصاد المحلي، إلا أنها تحافظ على مدخرات المواطنين، ناهيك عن الفرصة الاخرى التي تتطلب بعض التروي لحين تحسن أوضاعها، والمتمثلة في سوق الأوراق المالية.

حصر واردات الكويت

أشار الصادي إلى أن الدولة لديها الكثير من المنتجات التي تستوردها من الخارج، إلا أنها تحتاج إلى رؤية واقعية تمكنها من تقليل معدلات الاستيراد، واستقطاب المدخرات القليلة لدى المواطنين محدودي الدخل، لتعظيم الاستفادة من جهتين.ورأى أن الحل يكمن في ضرورة حصر واردات الكويت من المنتجات، ومن ثم ترجمتها إلى فرص استثمارية، من خلال العمل على تصنيع الجزء الأكبر منها في الداخل، أو تجميعها بما يخلق قيمة مضافة للاقتصاد الكويتي، ارتكازاً على المشروعا ت الصغيرة، والتي تشكل المنفذ الرئيسي للفرص الاستثمارية للمواطن ذي الدخل المنخفض.