على مشارف الأيام الأخيرة من الـ 2016، يعكس المشهد الداخلي في لبنان بدء الاستعدادات العملية لانطلاق مرحلة التغيير الواسعة التي ستتزامن مع بداية السنة الجديدة من خلال برْمجة الأولويات التي تعهّدتها حكومة الرئيس سعد الحريري في بيانها الوزاري الذي نالتْ ثقة مجلس النواب على اساسه قبل يومين.واذ تبدو الأيام القليلة المقبلة بمثابة استراحة تفرضها عطلة رأس السنة الجديدة، فإن نقطة الانطلاق لعمل الحكومة ستكون في جلسةٍ يعقدها مجلس الوزراء يوم الاربعاء المقبل في قصر بعبدا ويُنتظر ان تشهد طلائع برْمجة أولويات الحكومة والتي تقول مصادر وزارية مطلعة انها مزدحمة بالقضايا الملحة بما يقتضي تَوافُقاً حكومياً على تصنيفها تبعاً للظروف التي تجتازها البلاد.واشارت هذه المصادر عبر «الراي» الى ان المناخ السياسي العام في البلاد يشجّع بقوة على تقديم بعض الملفات التي من شأنها إشعار المواطنين بعودة الدولة الى الاهتمام بقضايا الناس وان هذا الاتجاه يتوافق عليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري، الأمر الذي سيَظهر تباعاً في جلسات مجلس الوزراء. ويبدو واضحاً ان ثمة ورشة تعيينات ستنطلق في وقتٍ قريب لملء الكثير من المناصب والمواقع الشاغرة في دوائر إدارية أساسية في موازاة الدفع نحو إنجاز الموازنة للسنة الجديدة وإرسالها الى مجلس النواب بأسرع وقت ممكن، وهو الأمر الذي يبدو شديد الأهمية لجهة إنهاء أكثر من عشر سنوات من الصرف العام خارج إطار الموازنات بفعل الخلافات السياسية.ولفتت المصادر الى ان الرئيسين عون والحريري وإن كانا متفقيْن تماماً على أولوية بتّ قانون الانتخاب الجديد الذي تنشغل به القوى السياسية، فإنهما يحاولان استدراك التسبّب بأيّ خيبةِ أملٍ للمواطنين فيما لو طغى هذا الملف بالكامل على عمل الحكومة من دون تقديم إنجازاتِ الحد الأدنى المطلوب بسرعة في القضايا الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية.أما في ما يتصل بالمناخ السياسي المواكِب لانطلاقة الحكومة، فتقول المصادر نفسها إن النقاش السياسي في ملف قانون الانتخاب سيشكّل مع بداية السنة «النجم» غير المتنازَع على أولويته، من دون إمكان الجزم بالاتجاهات التي سيفضي إليها نظراً الى التعقيدات غير القليلة التي تعترض محاولات التوافُق على القانون الجديد. وأوضحت المصادر ان الإيجابيات الواضحة التي طبعتْ مراحل تشكيل الحكومة ووضْع بيانها الوزاري ومثولها أمام مجلس النواب حيث نالتْ ثقة 87 نائباً أول من أمس بسرعةٍ قياسية ستكون أمام اختبارٍ أساسي في تَمدُّد هذه الإيجابيات الى تَوافُق على قانون الانتخاب، علماً ان هذا التمدُّد لا يبدو متاحاً بسهولةٍ لأن ما يصحّ في الشراكة بين القوى السياسية على تَقاسُم السلطة التنفيذية عبر الحكومة لا ينسحب أيضاً على ملف قانون الانتخاب الذي يتّصل بالمصالح الدفينة والعميقة لكل من هذه القوى.لذا، تلفت المصادر الى ان المخاوف من استغراق البحث في قانون الانتخاب الجديد عادتْ الى الواجهة مجدداً وان الحكومة بالقوى السياسية الممثَّلة فيها يمكن ان تتحول موئلاً لحوارٍ سياسي واسع، الى جانب المشاورات الجارية بين الأفرقاء السياسيين حول قانون الانتخاب. ولاحظتْ ان الاتجاه العام بدأ يميل الى التسليم بصيغةٍ مختلطة للاقتراع تَجمع بين النظاميْن النسبي والأكثري، وذلك كتسويةٍ لا مفرّ منها إذا أريد للانتخابات ان تجرى وفق قانونٍ جديد فعلاً، وإلا فإن القانون النافذ المسمّى «قانون الستين» سيبقى سيفاً مصلتاً على الجميع بالتزاماته الزمنية ومهله التي تقترب من استحقاقاتها. فمع حلول يناير المقبل، ستبدأ وزارة الداخلية بالإعداد للعمليات الانتخابية، بدءاً بتشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات التي ينصّ عليها القانون النافذ حالياً.وفي موازاة ذلك، أشارت معلوماتٌ الى ان الاستعدادات بدأتْ على خط بيروت - الرياض للزيارة التي سيقوم بها الرئيس عون للمملكة العربية السعودية الشهر المقبل والتي سيَفتتح بها إطلالاته الخارجية التي ستشمل تباعاً عدداً من الدول العربية بينها مصر، وذلك بعدما ارتأى الجانبان اللبناني والفرنسي ان يتم إرجاء زيارة باريس لما بعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية كي تؤتي هذه المحطة ثمارها المرجوّة.وفي حين يكتسب حرص عون على ان تكون الرياض اول محطة في زياراته الخارجية رمزية كبيرة، وإن كان تبرير تلبيتها اولاً يعزى الى كون الملك سلمان بن عبد العزيز هو أول مَن وجّه اليه دعوة خلال اتصال التهنئة الذي أجراه به بعيد انتخابه، فإن توقعات كبرى تبنى على هذه الزيارة باعتبار انها تشكّل الخطوة الاولى والأهمّ على طريق استعادة ثقة الخارج، ولا سيما دول الخليج، بلبنان وتالياً عودته الى «الحضن العربي» بما يمثّله من «شبكة أمان» من شأنها توفير حاضنة له في غمرة العواصف في المنطقة وحتى عندما تهبّ «رياح التسويات» الكبرى.