تحطّ السنة الراحلة أيامها الأخيرة في لبنان بالتزامن مع الفصل الأخير من فصول إنهاء عهد الفراغ الرئاسي واستعادة انتظام المؤسسات الدستورية، وذلك من خلال انعقاد مجلس النواب ابتداءً من يوم امس في جلسات مناقشة البيان الوزاري للحكومة الجديدة التي ستنتهي حتماً بتصويت البرلمان على الثقة بالحكومة بأكثريةٍ شبهِ إجماعية.وبدأتْ جلسات المناقشة امس وتستمرّ اليوم وغداً وسط أجواء تعكس تَعطُّش نوابٍ من مختلف الكتل والاتجاهات الى الإطلالات من منبر البرلمان الذي افتقد منذ مدة طويلة جداً عقْد جلساتٍ مماثلة تُنقل علناً عبر محطات التلفزة المحلية وتُعتبر منبريات شعبية لمخاطبة النائب لناخبيه وقواعده، وهو ما تجلّى في عدم نجاحِ محاولاتٍ جرتْ لحصْر عدد المتكلّمين بمتحدّث واحد باسم كل كتلة بما يتيح التصويت على الثقة في يوم واحد، علماً ان «كتلة المستقبل» التزمتْ بهذا الخيار.وفيما لفت منْح «حزب الله» حكومة الحريري الثقة وسط توجُّه نائب الحزب الى رئيس الحكومة قائلاً «دولة الرئيس سعد الحريري كل ما نأمله من هذه الحكومة أن تكون وفية وملتزمة لبيانها الوزاري لا أكثر ولا أقلّ في حدود الممكن وستجدنا نمد اليد متعاونين مساهمين إلى أبعد الحدود في تقليعة هذه الحكومة نحو ما يطمح إليه اللبنانيون»، بدا طبيعياً ان تحمل مداخلات النواب عناوين كل الملفات المتراكمة في البلاد على مختلف المستويات ولا سيما سلاح «حزب الله» وبند «المقاومة» في البيان الوزاري، الى جانب العناوين الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية.واذ اتّسم انطلاق الجلسات في يومها الاول بهذا البُعد المهمّ بفعل تَزاحُم الاولويات اللبنانية في مطالع عهدٍ رئاسي جديد وحكومة جديدة، فإن الأمر الآخر الذي اكتسب دلالات رمزية وسياسية بارزة تَمثّل في «عودة» الحريري على رأس حكومة «استعادة الثقة»، وهي عودةٌ تزامنتْ مع مفارقةِ حلول الذكرى الثالثة لاغتيال مستشار الحريري الوزير السابق محمد شطح امس تحديداً، الأمر الذي أضفى على المشهد مزيداً من الرمزيات.ذلك ان الحريري، الذي تلا البيان الوزاري امام البرلمان، يعود هذه المرّة رئيساً لحكومةٍ ستحظى بثقة قياسية نظراً الى الطابع التوافقي الواسع الذي اتخذتْه عملية تشكيل الحكومة ومن ثم التوافق بسرعة على بيانها الوزاري ومثولها امام مجلس النواب في الأيام الأخيرة من السنة لإكمال الاجراءات الدستورية كلّها قبل الشروع في انطلاقةٍ عملية حيوية مع بداية السنة المقبلة.واذ تتجه الانظار لمعرفة اذا كانت الثقة بحكومة الحريري ستلامس رقم 122 الذي نالته في 10 ديسمبر 2009 الحكومة التي شكّلها آنذاك، تنتفي عوامل المفاجآت في مجريات جلسات مناقشة البيان الوزاري التي تتحوّل الى منبريات كلامية، باستثناء بعض السجالات وبينها ما جرى امس من سجال بين النائب خالد الضاهر (عضو سابق في كتلة «المستقبل») والنائب رياض رحال (من كتلة «المستقبل») خلال إلقاء الاول كلمته إذ قاطعه رحال متوجّهاً اليه «يبدو زعلان ما عملت وزير؟»، فردّ الضاهر (لم يمنح الحكومة الثقة) قائلاً: «واحد مثلك بدو يعمل وزير. أنا أكبر منك ومن أي وزارة. قليل الأدب والأخلاق»، مضيفاً: «سكّر تمّك، إخرس، واحد هبيلة، وخرفان».وفي موازاة مشهدية البرلمان، بدا ان نقطة الاهتمام الأساسية تبقى رصْد الاتجاهات الاساسية المتعلقة بقانون الانتخاب الجديد باعتباره الملف الأكثر توهجاً الذي فُتح على الغارب حتى قبل نيل الحكومة الثقة.وتسود انطباعات واسعة لدى أوساط وثيقة الصلة برئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة بأن الأسابيع القليلة المقبلة ستشهد تحركاً استثنائياً للتوافق على عناوين تسوية واسعة من شأنها ان ترسي أرضية توافقية على قانون الانتخاب الجديد وان هذا المسعى لا يبدو امام أبواب مقفلة أبداً كما يوحي بعض الاتجاهات او المظاهر.وتلفت هذه الاوساط عبر «الراي» الى ان التحرك الذي قام به وفدٌ قيادي بارز من «حزب الله» في اتجاه النائب وليد جنبلاط مساء الاثنين يُعتبر من الدلالات البارزة على بدء معالجة «الهواجس» أو التحفظات التي تُطرح حول اعتماد النسبية في قانون الانتخاب وان هناك حوارات عدة ستُفتح دفعة واحدة من اجل السعي الى بلْورة صيغة توافقية بالحد الأوسع الممكن خلال شهر يناير المقبل.واذا كانت الأوساط نفسها لم تشأ الجزم بطبيعة ما يمكن ان تؤدي اليه هذه المساعي قبل اتضاح الموجة الاولى من المشاورات، فإنها استبعدت ان تكون البلاد سائرة نحو أزمة قانون انتخاب من منطلق ان الدفع الذي تحظى به التسوية السياسية الكبيرة التي ادت الى انتخاب الرئيس ميشال عون وتأليف حكومة الرئيس الحريري يُتوقع ان يشكل ايضاً «كاسحة ألغام» أمام العقبات الكبيرة التي تعترض التوافق على قانون الانتخاب.ومع ذلك لا تقلل هذه الاوساط دقة المرحلة التي ستبدأ مع الاسبوع المقبل تحديداً سواء على صعيد العد العكسي المتسارع لبتّ ملف قانون الانتخاب قبل ان تدهم الحكومة مهل تنفيذ الاجراءات الانتخابية وفق القانون النافذ (قانون الستين) او على صعيد اضطرار الحكومة الى إطلاق رزمة إجراءات ومشاريع سريعة في مختلف المجالات لتثبيت الصورة الإيجابية المنتظَرة عن لبنان وتعميق ثقة المواطنين اللبنانيين بالمرحلة الجديدة.