مع ان الأوساط القريبة من كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري لا تسلّم بموجة التشاؤم التي تسود البلاد حيال التعقيدات التي تؤخّر إنجاز تأليف الحكومة قبل نهاية السنة الحالية، فان هذه الأوساط لا تبدو مالكةً لمعطياتٍ من شأنها ان تُطَمْئن الى نهاية ايجابية مؤكدة قريباً.ذلك ان يوميْ عطلة الاسبوع المنصرمين شهدا جموداً غير مسبوق في المشاورات والاتصالات التي يجريها الرئيس الحريري الذي أفيد انه انصرف الى اجتماعاتٍ ولقاءات داخلية تقويمية لمسار التعقيدات التي تواجهها مهمّته.وأكدت معلوماتٌ يوم امس ان الحريري يزمع القيام بمحاولة جديدة لتعويم صيغة الـ 24 وزيراً بدلاً من الـ 30 التي يدفع في اتجاهها بقوة الثنائي الشيعي وحلفائه، بعدما برز بوضوح ان هذه التركيبة ايضاً لن تمرّ بسلاسة بل انها تَسبّبت بمعارك هامشية صغيرة بين أطرافٍ من داخل الفريق الواحد او بين متحالفين.واذ تتحدث المعلومات عن احتمال ان يحمل الرئيس الحريري غداً الثلاثاء صيغة جديدة لتركيبة من 24 وزيراً الى الرئيس عون، ترسم مصادر مطلعة على مجمل مجريات المسار الحكومي عبر «الراي» لوحةً شديدةَ الحذر لهذا المسار انطلاقاً مما بات يتردد على نطاقٍ واسع من ان هناك خطةً واضحة لدى معرقلي تأليف الحكومة لفرْض أمرٍ واقع قسري على عهد العماد عون والرئيس المكلّف يمرّ بتحقيق الثلث المعطّل في الحكومة وقانون النسبية الكاملة للانتخابات النيابية.وتقول هذه المصادر إن بعض المعنيين في الدائرتيْن اللصيقتيْن برئيس الجمهورية والرئيس المكلف لا يزالون يحصرون التعقيدات في إطارٍ موْضعي، بمعنى استبعاد الخلفيات التي تتكرر في الصحافة والاعلام وتكبّر حجر المشكلة وان الاسبوعين المتبقييْن من السنة ربما يحملان إمكانات الانفراج في أيّ لحظة. ولا يعني ذلك نفي وجود أبعاد محتمَلة لفرْض بعض الشروط ضمناً اذا تمكّن الثنائي الشيعي مثلاً من ارساء تسليمٍ بقانون النسبية يرافق تشكيل الحكومة ولكن من دون ان يبلغ حدود تعطيل تشكيلها، لان هذا الثنائي يعرف تماماً حجم التداعيات التي ستترتّب على التعطيل والتي سيحمّله إياها أفرقاء كثيرون وتَتسبّب بأزمة خطيرة بينه وبين الرئيس عون، فضلاً عن آثارها المؤذية جداً على مجمل الواقع الداخلي.ولكن المصادر تلفت الى ان اختبار الاسبوعيْن المقبليْن سيشهد شدّ حبال قوياً قبل اتضاح الاتجاهات النهائية سلباً او ايجاباً. اذ بات واضحاً ان الرئيس المكلف لن يكون هذه المرّة في وارد اتخاذ اي خطوة تحمل معالم التراجع مثل الاعتذار عن عدم تشكيل الحكومة كما فعل لدى تكليفه للمرة الاولى بعد انتخابات العام 2009 قبل ان يعاد تكليفه على الأثر.وباتت هذه الرسالة مفهومة تماماً للجميع، كما أضيفت اليها رسالة أخرى من الحريري وأطراف آخرين تمثّلت في اتخاذه مع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وزعيم «القوات اللبنانية» سمير جعجع موقفاً حازماً من رفْض التسليم بنظام اقتراعٍ على أساس النسبية الكاملة في قانون الانتخاب الجديد والإصرار على صيغة مختلطة بين النظاميْن الأكثري والنسبي باعتبار ان الأطراف الثلاثة يعتبرون النسبية الكاملة مشروعَ إلغاءٍ سياسياً لفئاتٍ وازنة لا يمكن التسليم به. علماً ان «حزب الله» يواصل اندفاعته على هذا الصعيد عبر تصريحاتٍ متوالية لنوابه توحي بفرْض النسبية الكاملة كسقفٍ ثابت لأي تفاوض حول قانون الانتخاب، ليكون «المتحرّك» في هذا السياق هو الدوائر بمعنى لبنان دائرة واحدة او دوائر موسّعة.وتضيف المصادر نفسها انه اذا كان هناك مسعى متقدماً لفرض قواعد سياسية على الرئيس المكلف وضمناً على العهد الجديد، فإن ما حصل حتى الآن كان كفيلاً بإفهام هؤلاء بأن التعامل المرن مع المطالب المتعلّقة بتوسيع التركيبة الحكومية او بوزاراتٍ معينة لا يعني ابداً ان هناك ضعفاً في التعاطي السياسي مع مجمل الواقع الناشئ، بل يفترض بالضاغطين إعادة حساباتهم بدقة والتصرف بما تمليه مصلحة البلاد في تسريع الولادة الحكومية اولاً والذهاب فوراً الى مجلس النواب لبتّ الاستحقاق المتعلق بقانون الانتخاب، وخصوصاً ان سلاح سريان المهل الانتخابية سيبدأ بعد منتصف يناير المقبل على أساس قانون الستين النافذ.وفي رأي هذه المصادر، فإن هذا المناخ بلغ حدوداً حرجة جداً وخصوصاً لـ «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس عون) الذي يشارك الفريق الشيعي في سعيه لتثبيت قانون النسبية كممرٍّ إلزامي للحكومة من جهة، فيما سيكون مع سيّد العهد من أكبر المتضرّرين جراء تعطيل تأليف الحكومة من جهة أخرى. ولذا سيتعيّن على «التيار الحرّ» كما على رئيس الجمهورية ان يتحرّكا بقوة لمنْع التمادي في استعمال عامل الوقت واستنزافه إذا مرّ الأسبوع الجاري من دون اختراقٍ ايجابي، لان الأمر سيبدأ يكتسب خطورة عالية بعد ذاك، بما يُترجِم كل الهواجس التي تتصاعد يوماً بعد يوم وليس أقلّها بدء ارتسام سيناريواتٍ لن تكون إطلاقاً لمصلحة العهد ولا لمصلحة التفاهمات العريضة التي تحوطه مع أطرافٍ تدعمه بقوّة وتضع كل أرصدتها في خانته.من ناحية أخرى، أعلن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظة الاحد «أننا كنّا نأمل، مع المواطنين اللبنانيّين المُخلصين للبنان، بأن تتحسّس الكتل السياسية والنيابية حراجة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية،الضاغطة على شعبنا، فيسارعوا بروح المسؤولية والتجرّد إلى تسهيل مهمّة تشكيل الحكومة الجديدة».