في عالم تضطرب فيه أمواج متلاطمة من الموسيقى... لم يكن سهلاً على سامي يوسف أن يختار لنفسه طريقاً مغايراً!لكنه فعلها... وبنجاح منقطع النظير جعل منه ليس فقط فناناً عالمياً ومشهوراً، بل فوق ذلك أعلنه رمزاً للفن الراقي وسفيراً أُممياً وداعياً للسلام عبر العالم!فقبل خمسة عشر عاماً بدأ الناس يتعرفون على الموسيقي البريطاني سامي يوسف، الذي بذل الكثير من الجهد كي ينتهج خطاً مختلفاً بين زحام موسيقي يملأ الأرض والفضاء معاً، ولم تمضِ بضعة أعوام حتى وصل إلى العالمية من خلال أغانيه المتشبعة بالأخلاق والقيم الإسلامية، من دون تعصب ضد الآخر، منطلقاً من إيمانه القوي بأن التقاليد في العالم تنبع من الحقيقة الروحية الأساسية نفسها، لينتهي المطاف بتعيينه من قِبل الأمم المتحدة سفيراً عالمياً لمكافحة الجوع، بالإضافة إلى دوره سفيراً لأسبوع السلام بين الأديان.«الراي» التقت سامي يوسف الذي زار الكويت أخيراً لإحياء أمسية فنية حملت عنوان «البركة»، ووصفها بأنها رائعة، خصوصاً أنه أحياها في موقع فائق الجمال بحجم مركز «جابر الأحمد الثقافي»، معبراً عن اعتزازه بأنه أول من غنّى في «المسرح الموسيقي»، ومؤكداً «أن الشعب الكويتي شعب طيب جداً وعاشق للفن والموسيقى، لأسباب عديدة من بينها التاريخ والثقافة وحتى الجغرافيا».يوسف أعرب عن رغبته في تقديم عمل تراثي فني يغطّي تاريخ الغناء الكويتي الذي قد يعود إلى مئات السنين، موضحاً أنه لا يرفض فكرة تقديم «دويتو» بالمطلق، كاشفاً الغطاء، في اللحظة نفسها، عن أنه لا يميل إلى ذلك إلا إذا كان هناك سبب وجيه وقوي.يوسف أكّد أن المسلمين يمتلكون موسيقى إسلامية، منها «الموشحات الأندلسية» و«القوالي الهندية» و«موسيقى خراسان التراثية»، وكلها نابعة من حضارة الإسلام، لافتاً إلى «أن هناك حركة غير جيدة متناقضة مع التراث تنكر وترفض الثقافة والتراث والموسيقى والجمال»، ورافضاً مقولة «الموسيقى وسيلة»، وواصفاً إياها بأنها «هبة من الله وهدية من السماء».وتطرق إلى أمور أخرى عديدة منها أن ألبومه «بركة» هو في جوهره «احتفاء بالتراث والفنون والموسيقى الإسلامية، وأنه بمنزلة تلخيص لألف سنة من الفنون الموسيقية استغرق عاماً كاملاً لإنجازه»!السفير والموسيقي سامي يوسف أزاح اللثام عن أنه توقف خمس سنوات عن العمل لعدم وجود شيء جديد يقدمه أو يشعر به، وخلال فترة توقُّفه ظهر مغنُّون آخرون منهم مسعود وماهر زين... وتطرق إلى زوايا وقضايا أخرى تأتي تفاصيلها في هذه السطور:• أحييتَ قبل أيام قليلة أمسية بعنوان «البركة» في مركز «جابر الأحمد الثقافي»... ما الذي تعنيه لك هذه المشاركة؟- إحيائي لهذه الأمسية تعني لي الكثير، خصوصاً أنها في موقع فائق الجمال بحجم مركز «جابر الأحمد الثقافي»، وكذلك لأنني أول من غنّى في «المسرح الموسيقي» في هذا الصرح، لذلك قدّمت أمسية غنائية خاصة جداً منسجمة إلى حدّ كبير مع عنوان ألبومي الأخير «بركة»، الذي يُعتبر احتفاء بأكثر من ألف عام من التراث والثقافة الإسلامية ابتداء من الهند ووصولاً إلى الأندلس. وكل الآلات الموسيقية التي شاهدها الجمهور هي تراثية من جميع أرجاء العالم الإسلامي، سواء من تركيا أو من الأطراف الشرقية والأطراف الغربية للعالم الإسلامي، ولهذا فإنني أعتبر الحفل تجربةً وسهرة تراثية مختلفة عما اعتاده الجمهور. وفعلاً أشعر بالامتنان لأن الكويت ما زالت معجبة بي وبصوتي، لذلك فإنني أشعر بأنني محظوظ. ولا تنسَ أنني جئتُ إلى الكويت في احتفالات «هلا فبراير» في العامين 2005 و2007 بحسب ما أذكر.• ما الذي تعرفه عن الجمهور الكويتي؟- الشعب الكويتي هو شعب طيب جداً وعاشق للفن والموسيقى، وجميع تجاربي التي خضتُها فوق هذه الأرض رائعة، وأعتقد أن هذا يعود إلى أمور متنوعة يتمتع بها هذا الشعب، من بينها التاريخ والثقافة وحتى الجغرافيا. فالكويت ثرية بثقافتها وبموسيقاها التراثية العريقة أكثر من أي دولة خليجية أخرى.• هل من تعاون قد يجمعك مع أحد ملحني أو شعراء الكويت؟- لي الشرف بالتعاون مع ملحنين وشعراء من الكويت، لكنني للأمانة لا أعرف أسماء بعينها كي أذكرها، فأنا لست ملمّاً ولا مطلعاً على الأسماء العاملة في المشهد الموسيقي المحلي الراهن هنا في الكويت، لكنني أحبّ طبعاً أن أؤدي عملاً تراثياً فنياً يغطّي تاريخ الغناء الكويتي الذي قد يعود إلى مئات السنين، وعلى سبيل المثال فنحن جميعاً نعرف أنشودة «طلع البدر علينا»، ونعلم أن تاريخها يعود إلى المدينة المنورة قبل نحو 1400 سنة، كما أننا على يقين بنسبة 90 في المئة بأن لحنها هو ذاته تقريباً منذ ذلك الحين، وبالمقام الغنائي نفسه.• وما علاقة أنشودة «طلع البدرعلينا» بالعمل الذي تطمح إليه؟- تخيل معي أن أفعل شيئاً مشابهاً هنا في الكويت، بمعنى أن أجد مقطوعة غنائية وموسيقية كويتية قديمة جداً، وأؤديها على إيقاعات آلات موسيقية كويتية تراثية، أظن أن مثل هذا العمل سيكون مثيراً للاهتمام.• وماذا عن دويتو غنائي محتمل؟ ومن الفنان المفضل لديك؟- الواقع أنها فكرة جيدة، وأنا لا أرفضها بالمطلق، رغم أنك إذا نظرتَ إلى تاريخي الفني ومسيرتي فستلاحظ أنني لا أميل إلى التعاون كثيراً مع مغنين آخرين، إلا إذا كان هناك سبب وجيه وقوي لذلك.• لماذا تسير على خط واحد في ما تقدمه وهو النشيد الديني؟- نعم هذا صحيح، فقد انطلقت من مفهوم النشيد الديني، وكلمة «نشيد» دوماً ما يساء فهمها وتفسيرها في كثيرمن الأحيان، فنحن لدينا موسيقى إسلامية كالموشحات الأندلسية والقوالي الهندية وموسيقى خراسان التراثية، وكل تلك الأعمال لم تكن في الواقع موسيقى هندية أو خراسانية أو إسبانية، بل موسيقى إسلامية نابعة من حضارة الإسلام وثقافته. لكن للأسف نلاحظ في المشهد الموسيقي والغنائي الحالي حركة غير جيدة متناقضة مع التراث، حيث إنها تنكر وترفض الثقافة والتراث والموسيقى والجمال.• «الموسيقى وسيلة»... ما رأيك في هذا القول؟- من وجهة نظري أرى أن الموسيقى ليست وسيلة، بل هي هدية من الله وهبة من السماء.• حدثنا عن ألبومك الأخير «بركة»؟- ألبوم «بركة» في جوهره احتفاء بالتراث والفنون والموسيقى الإسلامية، وهو بمنزلة تلخيص لألف سنة من الفنون الموسيقية، واستغرق منّي عاماً كاملاً كي أُنجزه، استشرت فيه أساتذة من جامعات «هارفرد» و«كيمبريدج» و«ستانفورد». فهناك الأغنية الأولى مثلاً «Awake» هي من القرن السابع عشر الميلادي - أي أن عمرها يقارب 500 سنة - لحنها الموسيقار والمؤلف البولندي الذي اعتنق الإسلام علي أوفكيبيه، وكتب كلماتها السلطان مراد الرابع أحد سلاطين الإمبراطورية العثمانية بعد أن فاتته في إحدى المرات صلاة الفجر. وعندما تسمعها سوف تستمتع بجمال إيقاعات الآلات الموسيقية العثمانية بأصواتها التراثية الإسلامية. والواقع أن كل موسيقى التراث الإسلامي ابتداء من الهند ووصولاً إلى الأندلس هي موسيقى تنبع في أساسها من البركة المحمدية، أي أنها ليست نتاج ملحنين أتراك أو هنود أو عرب موهوبين.• ألحانك وكلمات أغانيك دوماً مميزة وذات قصة... هل تعتقد أن ذلك هو سبب نجاحك؟- الحمد لله على تكريمي بهذه البركة، وبهذا القبول وهذه هبة ونعمة من الله، فأنا لست مغنياً جيداً، وكل ما أحققه من نجاح هو بفضل القبول الذي وهبني إياه الله، وللعلم أنا أرفض الغناء تماماً في حال عدم استشعاري لما أغنيه في وجداني.• وهل هذا هو سبب توقفك لمدّة خمس سنوات؟ أم هناك سبب آخر؟- نعم هذا هو السبب الذي دفعني إلى التوقف خمس سنوات بعد إصداري ألبوم «أمتي» الذي كان مفعماً بالمديح النبوي بأسلوب تراثي، وتوقفي كان لعدم وجود شيء جديد أقدمه أو أشعر به، وخلال فترة توقّفي تلك ظهر مغنُّون آخرون لا أتذكر أسماءهم جميعاً منهم مسعود وماهر زين.• ومتى كانت عودتك مجدداً؟- في العام 2010 من خلال ألبوم «where ever you are»، ولقد كان ألبوماً مباركاً حيث قدمت فيه مجموعة من المقطوعات الغنائية الناجحة بفضل الله، وبعد ذلك جاء ألبوم «سلام» ثم «The Center» ومن ثمّ ألبوم «Song of the way» الذي كان بمنزلة مشروع فكري، ثم أخيراً أطلقتُ ألبوماً تراثياً متنوعاً بعنوان «بركة» الذي أصبح الرقم واحد على مستوى منطقة الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي لم أكن أتوقعه مطلقاً.• ما الذي يعنيه لك ألبومك «المعلم»؟- عندما أطلقت الألبوم في العام 2003 الذي جاء اجتماعياً سياسياً وتحدثت موضوعاته عن فلسطين والحجاب ومشاكل العالم، لم يكن هناك آنذاك ما يعرف بـ «صنعة النشيد»، بل كان الأمر لا يتجاوز مجرد أناس يعزفون موسيقى ويغنون لله. وبعد ألبومي هذا أصبحت أشهر نجم «روك» إسلامي، وبدأت جميع القنوات التلفزيونية الكبرى تذيع أعمالي وتسعى إلى محاورتي، لكنني سألت نفسي آنذاك «لماذا أفعل ما أفعله؟ هل هو من أجل التجارة؟ هل هو من أجل تحقيق الشهرة والمجد؟ هل هو لكسب مكانة مرموقة؟»، وفي تلك الفترة أيضاً بدأ مسؤولو شركة التسجيلات الموسيقية التي كنت أتعاون معها على تشجيعي لأمضي قدماً، طالبين مني الغناء بشكل مكثّف مما يريده الناس، لكنني حينها رفضت لعدم ارتياحي إلى الأمر، ولأنني أكره الشهرة، وأحب أن أعيش حياة بسيطة.• هل فعلاً تكره أن تكون مشهوراً؟- نعم لا أحب الشهرة، والسبب أنها أمانة من الله، وأنا لم أكن أريد يوماً أن أحقق الشهرة ولم أكن أسعى إليها، لأنني أحب الحياة البسيطة، بحيث لا يعرفني أحد وأسير في الشوارع كأي شخص عادي.• يجري تشويه لصورة الإسلام في العالم، فما دورك كفنان يقدم رسالة دينية من خلال الفن؟- لستُ ممثلاً عن الأمة الإسلامية، بل أنا مجرد عبد فقير إلى الله يفعل ما باستطاعته من خلال الفن، وأرى أنه على كل مسلم أن يفعل شيئاً عملياً إيجابياً في مجاله، وألا نكتفي بالقول طوال الوقت «إن الإسلام يدعو إلى السلام»، ومن ثم يرى العالم فعلاً آخر مختلفاً. ومن موقعي أدعو العالم أجمع إلى النظر إلى فنوننا الإسلامية التراثية ومساجدنا في كل بقاع العالم التي يصل عمر الكثير منها إلى قرون بعيدة، وإلى الثقافات الإسلامية المتنوعة وإلى الآداب الإسلامية والموسيقى والفلسفة والشعر، فليس هناك دين آخر في العالم كتب عن الحب والمحبة أكثر مما كتبه المسلمون، حينها يمكنني سؤالهم: «هل تعتقدون أن مثل هذه الفنون يمكن أن يبدعها أناس يكرهون؟ هل تتصورون أن يبدعها قتلة؟».• هل تعتقد أننا نحن المسلمين نعرف تاريخنا أولاً، حتى نتمكن من نشره؟- من المؤسف أننا لا نعرف من نحن، لقد أصبحنا نعيش في عالم عصري لاهث فنسينا ماضينا وجذورنا، وأصبح كل ما نهتم به هو حدودنا السياسية المستحدثة الضيقة، وهو ما دفعني إلى تقديم ألبوم «بركة» لتذكير أنفسنا بأنفسنا وبتراثنا.• هل يمكنك أن تغني الأغاني الرومانسية ذات الإيقاع السريع في المستقبل؟- سبق أن قدمت أغنية رومانسية من الفولكلور الأذربيجاني بعنوان «ساريغارين» في ألبومي «The Center»، وهي قصة عشق بين شاب أذربيجاني مسلم وفتاة أرمينية مسيحية، لكنني في الواقع لستُ معجباً بالأغاني الرومانسية العصرية، على عكس أغاني الحب القديمة التي كانت تحافظ على الروحانيات، حيث تستطيع أن تلمس مشاعر حب الله وحب المقدسات.• إلى أي درجة تعتمد على الفيديو كليب؟- أعتمد عليه بشكل كبير، فألبوم «المعلم» لم يكن في حدّ ذاته هو الذي حقق كل ذلك النجاح، كما كان ألبوم «حسبي ربي»، بل كان جزء كبير من الفضل يعود إلى ثورة الفيديو كليب آنذاك، حيث لم يكن هناك شيء مماثل قد تم إنتاجه قبل ذلك.• أصبحت الأغنية «السنغل» هي السابقة في النجاح على عكس الألبوم... ما رأيك؟- نعم أعتقد أن إطلاق أغنية «سنغل» كل شهر أفضل بكثير من إطلاق ألبوم في الوقت ذاته، خصوصاً أن تقديم ألبوم بحدّ ذاته مكلف مادياً.• ما رؤيتك لنظرة المجتمع البريطاني اليوم إلى الفنون والموسيقى العربية؟- مع الأسف، الشعب البريطاني لديه نظرة وانطباعات نمطية عند التفكير في التراث العربي، حيث إن البريطانيين لا يفكرون إلا في الجمل والصحراء، وهذه مشكلة كبيرة، وأرى أنها مشكلتنا نحن، لأننا هجرنا تراثنا واستسلمنا عوضاً عن ذلك لعقدة الموسيقى الغربية، فنحن - كما سبق أن ذكرت - يجب أن نعرف أنفسنا أولاً، ومن أين أتينا، ومن نكون، ثمّ بعد ذلك نبدأ العمل على تصدير موسيقانا التراثية إلى العالم كلّه.