كثيراً ما يتردد بين الأوساط التربوية والأكاديمية اقتراح اقتصار القبول في كلية التربية على الطلبة الفائقين فقط كما هو المعمول في العديد من البلدان المتقدمة على المستوى التعليمي، ويركز أنصار هذا الاقتراح على فائدة تطبيق مثل هذا التوجه على واقع التدريس وهو الذي من شأنه أن يقدم لنا خريجين على مستوى عال من الكفاءة والجدية في العمل يصلحون أن يدرسوا الطلبة في المدارس.ورغم هذا التأييد، نجد في المقابل اعتراضاً من قبل العديد من الأكاديميين والتربويين لتطبيق هذا التصور، حيث يرى هؤلاء أن كلية التربية هي فن تختلف قدرات الطلبة في إتقانه وقد يكون هناك طلبة فائقون لكنهم يفتقدون الميول إلى التدريس، موضحين أن المنهج الدراسي الذي تقدمه كليات التربية من شأنه أن يعد الطالب بشكل ممتاز وحتى وإن لم يكن فائقاً في الثانوية العامة.«الراي» سلطت الضوء على هذا الموضوع من خلال التحقيق التالي:يقول عميد كلية التربية الدكتور بدر العمر «في دول مثل ألمانيا نجد أن العمل في التعليم من أصعب المهن التي من الممكن أن يقبل فيها المرء ولذلك نجد أن عملية الإعداد لتبوؤ هذه المهنة شاقة جداً ولا يقوى عليها إلا من يمتلك القدرات المطلوبة».وتابع العمر «نتمنى أن نصل إلى تصور قريب من ذلك، وهذا أمر واجب في كلية مثل التربية، فالخريج متوسط القدرات من الممكن أن نقبله في تخصصات أخرى باستنثناء التربية، لأن هذا الخريج هو من سيوجه النشء ويكون مسوؤلاً عن إعدادهم».من جهته، أوضح مدير برنامج الدراسات العليا في قسم الإدارة والتخطيط التربوي بكلية التربية الدكتور عبدالمحسن القحطاني أن «طبيعة القبول في تخصصات كلية التربية تعتمد على واقع البلد وعما إذا كانت بحاجة إلى قوة عاملة من المعلمين» مبيناً أننا «من الممكن أن نضع بعض الضوابط المعينة فبدلاً من حصر القبول على أصحاب النسب العالية، أقترح تقوية مناهج الكلية وبالتالي تكون قادرة على تصفية الطلبة ولا يتبقى سوى القادرين على مواصلة الدراسة في التخصصات التربوية».ولفت القحطاني إلى أن«التعويل فقط على شرط أن يكون الطالب صاحب نسبة عالية ليس كافياً، فقد لا يكون هذا الطالب مؤهلاً للالتحاق بالكلية كون أن طبيعة التخصصات التربوية تحتاج إلى مهارات في التعليم وكفايات، وميول مهنية نحو التدريس».من جهته، أشار أستاذ الإدارة التربوية والتخطيط في كلية التربية الدكتور سالم الهاجري إلى أن «مسألة القبول تعتمد على العرض والطلب، فقبل فترة كان قليل من الطلاب يقبل على كلية التربية» متسائلاً: لو أننا رفعنا في هذا الوقت النسبة من سيقبل على الكلية؟وقال إن «كلية التربية تضمن بأن يتخرج الطالب على الأقل بالحد الأدنى من الكفايات المطلوبة» لافتاً إلى أن «خريجي كلية التربية من المعلمين يعتبرون من أفضل المعلمين المتميزين بإبداعهم في التدريس».من جانبها، أيدت الطالبة في كلية التربية زينب جبير اقتصار القبول في التربية على الطلبة الفائقين، مؤكدة أن «المعلمين الفائقين سيكونون جديين فعلاً في عملية التدريس والارتقاء بها كما سيكون لذلك أثر واضح على مستوى الوزارة بأكمله».بدورها، رأت طالبة الماجستير في الموهبة والإبداع والمدرسة في وزارة التربية هيفاء بهبهاني ان الاقتصار على قبول الحاصلين على نسب مرتفعة من خريجي الثانوية للالتحاق بكليات التربية أمر غير معقول، خاصة مع عدم التفرقة بين المسارات التخصصية المتنوعة التي تقدمها الكلية». وتابعت «أتصور أن الحل يمكن أن يكون إما بإيجاد نظام تعليمي ثانوي يكفل فرز المخرجات حسب القدرات المتنوعة، وبالتالي يسهل قبول الطالب ذي النسبة المرتفعة في المجال نفسه، وإما بتحديد نسب مختلفة للقبول في التخصصات التي تقدمها كليات التربية، بحيث يمكن احترام رغبات الطلبة المقبلين على تخصصات لا يثبتها المعدل العام لشهادة الثانوية بالضرورة».كما علقت بهبهاني، في اتجاه آخر، حول مسألة اقتصار قبول التعيين في مهنة التدريس على حملة الماجستير قائلة: هناك ملاحظتان على هذا النوع من التعيين، الأولى أننا أساساً نواجه مشكلة حقيقية في مصداقية عدد غير قليل من الشهادات العليا كالماجستير والدكتوراه، والثانية أن كلية التربية في جامعة الكويت تقبل عددا محدود جداً من المتقدمين لدراسة الماجستير، فلا يمكن الاقتصار على حملة الماجستير مع العلم ان هاتين الملاحظتين اللتين تشكلان عقبة في طريق هذا النوع من التعيين، فقد تسببان عجزاً أكبر في عدد المعلمين إضافة لما تعانيه الوزارة، أما دول أخرى مثل فنلندا التي تعتمد 100 في المئة على حملة الماجستير فهي وطأت ومهدت أرضية لكي تطبق هذا المشروع قبل أن يأخذ مكانه على أرض الواقع.من جانبه، أكد الطالب مصطفى محمود أن «الطالب الفائق هو الأجدر بتدريس أجيالنا لنضمن تخريج أجيال قادرة على الفهم والاستيعاب تتمتع بالمهارات الدراسية اللازمة» مبيناً أن «الفائق سيكون قادراً على إيصال المعلومة بشكل أفضل ويتمكن من أن ينقل تفوقه لدى طلبته ويكون قدوةلهم في تحقيق التميز الدراسي».بدوره، قال الطالب في كلية التربية تخصص (رياضيات) ناصر عبدالرضا: ليس كل طالب فائق يصلح أن يكون تربوياً يستطيع أن يربي الأجيال، مبيناً أن «الطالب المتقدم على كلية التربية يجب أن يجتاز المقابلة الشخصية التي من خلالها يتمكن أعضاء لجنة التقييم من معرفة إمكانيات الطالب ومدى تمتعه بالقدرات والمهارات المطلوبة ليتبوأ مهنة التدريس».وأشار عبدالرضا إلى أن «الطالب الذي يصح أن يكون في هذه الكلية هو من يمتلك القدرة على التواصل الفعال مع الآخرين ويستطيع أن يوصل الفكرة بطريقة صحيحة وبأسلوب يتمكن من خلاله جذب الطالب للمادة، علاوة على تمتع الطالب بقابلية التعلم للمهارات الجديدة وشغفه بالإطلاع على المعارف التي ترتبط بمادته الدراسية حتى يتمكن من أن يحيط بمجال تخصصه جيداً ويثري نفسه وطلابه مستقبلاً بالمعلومات الهامة».ولفت عبدالرضا إلى أن «العديد من الطلبة الذين يتقدمون للدراسة في تخصصات التربية يهدفون في الغالب إلى استغلال المميزات المقدمة لمن يعمل في مهنة التدريس وهذا النوع من الطلبة قد لا يكون اهتمامهم منصباً على تطوير مهاراتهم والتعلم بقدر ما هم يرغبون بشكل أكبر في الجانب المادي».من جانبه، أكد الطالب في كلية التربية نواف العنزي أن «ارتفاع نسبة الناجحين في الثانوية العامة ليست مقياساً حقيقياً لاقتصار قبول الطلبة في تخصصات التربية»، مبيناً أن «الدراسة في الجامعة تختلف عن الدراسة التي يتلقاها الطالب في المدرسة، حيث يجد الطالب عادة مساراً تخصصياً معيناً قد يتوافق مع ميوله ورغباته وبالتالي يتمكن من الإبداع والتميز في هذا التخصص والتفوق فيه».
محليات - جامعة
قبول الفائقين في «التربية»... بين مؤيّد ومعارض
12:14 ص