ترنّحت المساعي الحثيثة التي يجريها الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة سعد الحريري بين تعقيدات اللحظات الأخيرة وبين استمرار الرهان على ان يصار الى إنجاز تشكيل الحكومة وإعلانها رسمياً في الساعات المقبلة.ومعلوم ان الحريري كما رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يدفعان نحو استعجال الولادة الحكومية قبل الثلاثاء المقبل كي يكتمل مشهد امتلاء الدولة في العرض العسكري الذي يقام في مناسبة عيد الاستقلال بعد انقطاعٍ قسري لمدة سنتين بسبب أزمة الفراغ الرئاسي، وهو بُعدٌ يكتسب أهمية بالغة اذ ان من شأن تأخير إنجاز التشكيلة الحكومية ان يتسبب بصدمةٍ معنوية مع طلائع العهد الرئاسي الجديد وتكليف الحريري بتأليف الحكومة.لكن الساعات الأخيرة أبرزت صعوبةً «موْضعية» لم تكن في تقديرات الكثيرين في شأن إنجاز الرئيس المكلف مسودّة كاملة للتوزيعة الحكومية، حقائب وأسماء، ولو ان الحريري عرض على الرئيس عون مساء الأربعاء اول تصوُّر لهذه التشكيلة التي بقيت فيها فراغات ونواقص في حاجة الى مزيد من الاتصالات والمشاورات والجهود من اجل استكمالها.وأوجزتْ مصادر على صلة وثيقة بعملية تأليف الحكومة لـ «الراي» عقبات ربع الساعة الأخير التي واجهت الرئيس المكلف بأنها نشأتْ عن صراع لا يستهان به على التمثيل المسيحي في الحكومة في ظل اصطدام الحريري بتفاهُم متماسِك للغاية بين «التيار الوطني الحر» (حزب عون) وحزب «القوات اللبنانية» اللذين بدا انهما يرفضان تَجاوُز كونهما القوتيْن الرافعتيْن للتمثيل المسيحي في الحكومة، الأمر الذي كانت قوى أخرى تعتقد انه قابِل للمفاوضات المرنة.اذ ان الفريق الشيعي ممثَّلاً برئيس البرلمان نبيه بري تَشددّ في منْح تيار «المردة» بزعامة النائب سليمان فرنجية حقيبة وزارية أساسية في الوقت الذي حصلتْ فيه ضغوط واضحة من «حزب الله» وبري لمنْع «القوات اللبنانية» من الحصول على إحدى الحقائب السيادية الأربع، اي المال والخارجية والداخلية والدفاع.واذ ثُبتت حقيبة المال للوزير في حركة «امل» (يتزعّمها بري) علي حسن خليل، والداخلية للوزير نهاد المشنوق (من فريق الرئيس الحريري) والخارجية لرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، طُرحت الدفاع للوزير في «التيار الحر» الياس ابو صعب على ان تُحسب من حصة رئيس الجمهورية.وفيما طُرحت على «القوات» حقيبتا العدل والإعلام ونيابة رئاسة الوزراء، لم توافق «القوات» فوراً على هذا الطرح ولو انها تتّجه الى قبوله، ولكن بعد ان تتبلور صورة توزيع ما تبقّى من حقائب، وقد اضطر «التيار الحر» الى مماشاتها. كما ان الفريقين المسيحييْن أظهرا ميلاً الى استبعاد تمثيل «المردة» ما دامت تركيبة الحكومة عادت الى 24 وزيراً بدلاً من 30 كما كان مقرَّراً سابقاً، في حين شعر الحريري بأن هامش حركته يضيق باضطراد أمام تفاهُم «التيار» و«القوات» في حين انه ليس معنياً به كرئيسٍ مكلف يسعى الى التمتع بهامش حركةٍ واسع.وأكدت الاوساط ان الحريري طلب من رئيس الجمهورية التدخل لإيجاد مخرج لهذه العقدة التي قد تكون الأخيرة مبدئياً التي تحول دون انجاز التشكيلة الحكومية قبل نهاية الاسبوع الحالي، موضحةً ان المناخ العام لا يعكس إمكان حصول انتكاسة كبيرة من النوع الذي يعيد عملية التأليف برمّتها الى المربّع الاول كما خشي البعض، لكن الساعات الآتية ستكون مفصلية في إخراج العملية من عوائقها الأخيرة وامتحان نيات القوى السياسية في تسهيل مهمة الحريري، علماً ان مجمل المعطيات ترجّح الافراج عن العقبات في الساعات المقبلة بما يرجّح ولادة الحكومة غداً او بعده على أبعد تقدير.وشكّل «السجال» الذي تجدّد بين الرئيسيْن عون وبري والذي لم تكن الكنيسة المارونية بعيدة عنه إشارة سلبية، لم يكن ممكناً تلمُّس تداعياتها المباشرة على مسار تأليف الحكومة، وتحديداً عقدة «المردة».ذلك ان عون، الذي اختار امس ان تكون أول زيارة له بعد انتخابه رئيساً الى الصرح البطريركي في بكركي حيث التقى البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ومجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان الذي كان يعقد دورته السنوية ونال «برَكتهم»، وجّه من الصرح انتقاداً متجدداً للتمديد الذي حصل للبرلمان اذ اعلن «اننا في لبنان اليوم نرى ان جميع مؤسساتنا أصيبت بالوهن بسبب التمديد المتمادي لمجلس النواب وأهم شيء يتألم منه لبنان هو الفساد الذي سدّ شرايين الدولة».ولم يتأخّر ردّ بري على عون اذ قال: «فعلاً، التمديد سيء والمؤسسات أصيبت بالوهن كما قال فخامة الرئيس، ولكن تعطيل انتخاب الرئيس كان أسوأ على المؤسسات بما في ذلك البرلمان»، في إشارة الى مقاطعة عون (ومعه «حزب الله») جلسات انتخاب الرئيس طوال 29 شهراً ورفْض اي تسوية تأتي بغيره.وكان بري ايضاً محور انتقاد ضمني وجّهه الراعي خلال استقبال عون اذ هنّأ الأخير على انتخابه الذي جاء «وفاءً لنضالكم الطويل»، معتبراً ان «من أولى الأولويات ان يُوفَّق رئيس الحكومة المكلف التعاون مع فخامتكم في تأليف مجلس الوزراء الجامع، بروح المشاركة الشاملة لا المحاصصة. ولا يجوز في أي حال استبدال سلة الشروط (وضعها بري قبل انتخاب الرئيس) بصيغ التشبث بحقائب واستخدام الفيتو من فريق ضدّ آخر. وهذا أمر مخالف للدستور ووثيقة الوفاق الوطني، ويدخل أعرافاً تشرع الباب أمام آخرين للمبادلة بالمثل».
خارجيات
سجال بين رئيسي الجمهورية والبرلمان... والكنيسة ترفض السلّة بـ «المفرّق»
لبنان: حكومة الحريري... قاب قوسيْن
05:51 م