في قاعة «القراءة» من المكان المزمع افتتاح المكتبة الوطنية فيه، تختلف رائحة الكتب عن المألوف منها. لا لتغيُّر في كيمياء الكتاب أو فيزيائيته فحسب، بل للمركّب «الإبداعي» الجديد الذي نتج عن إضافة عامل الفن للصفحات والكلمات فبدّل في رائحتها وشكلها وملمسها.هناك أيضاً في المبنى الحجري الذي يتهيّأ ليصبح مكتبةً للعامة بعدما شغلته كلية الحقوق لعقود، تَتوزّع الكتب بحلّتها الجديدة. 55 نسخة من كتابٍ «بتصرّف» تناول الصحافة في لبنان خلال مئة عامٍ (من العام 1858 حتى العام 1958) وشابتْ طبعته الأولى أخطاء في ترتيب الصفحات، آثرت المؤسسة اللبنانية للمكتبة الوطنية (المكلّفة بترميم وتجهيز واستكمال مشروع إعادة إنشاء هذه المكتبة) عدم تلفها وإعادة تشكيلها بطريقة فنية على يد 55 فناناً لبنانياً ينتمون إلى مدارس فنية مختلفة بالتعاون مع غاليري «جانين ربيز». فجاءت الحلّة الجديدة للكتب، التي ترتفع على الجدران وتتوزّع على الأرض والطاولات، تحفاً فنيةً على قدر كبير من الإبداع، الوضوح الهادف في حين والغموض المشوّق أحياناً.بعض البصمات الفنية إن لم يكن كلّها تكفي لتكشف عن هوية أصحاب القطع، التي يؤمل بيعها كلها ليعود ريعها لدعم المؤسسة التي تسير عكس الإعصار الجارف بعيداً من الكتاب، لتُفتتح المكتبة وتحفظ بالمستندات والمجلدات الضخمة والمؤلفات القديمة تاريخ الأجيال السابقة والحاضرة والآتية.«بتصرف» هو العنوان الذي يُظلل المعرض. اختير لأنه يختصر الفكرة ويجسّد الحال ويدلّ على عملية التحول التي طالت الكتب فمنحتها معنى ومبنى جديدين. محمد الرواس أعاد خلط الأوراق على لوحته، متخذاً من صفحات الكتاب خلفيةً لأوراق اللعب. مازن كرباج اختزل برسمة واحدة على إحدى صفحات الكتاب رسالته المتوخاة. وما قدّمته تمارا برّاج طمس معالم الكتاب في تحفةٍ أشبه بعشبة بحرية واختصرته بعنوان «كانت هناك كلمة».لور غريّب رسمتْ على الصفحة الأولى من الكتاب ومنحتْه حلّةً حميمة تجعله خاصاً وتبعده عن النسخ المتطابقة التي تنام على الرفوف وتصحو بين الأيدي. ورندا تقي الدين رسمت الصحافي الراحل كامل مروة تكريماً له، حيث يَظهر وكأنه يكتب من على مكتبه وبين قصاصات الصحف «مانشيت» حول خبر اغتياله. وراشد بحصلي رسم وجوهاً واقتطع أو أعاد إخراج صفحات من الجريدة واضعاً في منتصف لوحته الكتاب وقد طوى صفحاته ليشكل بطريقة ثلاثية الأبعاد كلمة «إقرأ».أنابيل ضو نفّذت «رؤيتها» للكتاب بطريقة متلفزة، حيث بنت في شريط مصوّر بيتاً من أوراق اللعب التي اقتطعتها من الكتاب نفسه. وبعدما فرغت من عملية التشييد، هبّ هواء على هذه الأوراق فتبعثرت وسقطت جدران البيت في دلالة إلى الحال التي تمرّ بها الصحافة في لبنان حالياً خصوصاً الورقية منها.أسامة بعلبكي، إيلي أبو رجيلي، ريم الجندي، جميل ملاعب، الفرد طرزي، ايتل عدنان، لينا حكيم، عبد القادري، أمل سعادة، ميراي حنين، طارق شمالي، دالية بعصيري، فيصل سلطان، منصور الهبر... وآخرون رسموا كلٌ على طريقته ما استوحاه من الكتاب، وما ارتآه لتحقيق الغاية من المعرض وهي دعم مشروع إعادة تأهيل المكتبة الوطنية التي دُمّرت في الحرب. فعلى «الكانفا» والأوراق، بالألوان والإضاءة ومواد أخرى «تَصرّف» الفنانون بالكتب التي قُدّمت إليهم وفق تقنياتهم الخاصة من دون الخروج عن «ثيمة» الصحافة، مترجمين انفعالاتهم بأساليبهم المعتمدة وبصمتهم الخاصة.هذا المعرض الذي يستمر حتى 13 الجاري، كان شارك في افتتاحه وزير الثقافة روني عريجي في حضور حشد من المثقفين والمهتمين والوجوه السياسية والإعلامية. وقد أعرب عريجي بعد جولة في أرجائه عن أهمية «هذا الحدَث في رحاب قاعة القراءة للمكتبة»، ووجه الشكر لدولة قطر «الجهة المانحة للمكرمة التي ساهمت في بناء هذا الصرح الثقافي».