تابعنا خلال الأيام القليلة الماضية، الانتخابات الفرعية لبعض القبائل، أو كما يحلو للبعض أن يطلق عليها تشاورية، وجعلتنا نشعر معها بالحزن والأسى لما يسعى إليه البعض من اختراق للقانون والتلاعب عليه من خلال اتباع أساليب ملتوية لتجنب الوقوع في شرك قانون تجريم الفرعيات والذي جاء حكم المحكمة الدستورية الصادر بتاريخ 5 ديسمبر 2011 ليطوي بذلك سلسلة من الجدالات التي كانت تقوم على أساس عدم دستورية القانون الذي سعى فيه المشرع لوضع حد لعدد من الممارسات اللاوطنية والتي واكبت الفرعيات خلال الانتخابات السابقة.ولعل ما يدعو إلى الحزن أن هذه الانتخابات (التشاوريات) قد تمت على مرأى ومسمع القنوات الإعلامية والصحف المحلية والمواقع الإلكترونية، بل إن بعض هذه الجهات قامت بنشر وسرد تفاصيل هذه الانتخابات ونقلت وقائعها بكل دقة. إنه من المؤلم حقا أن منظميها يدافعون عنها بحجة أنها تشاورية وليست فرعية، ولكنني أتساءل، كيف لتشاورية أن تتم وهناك تصويت بصناديق؟ وكيف لتشاورية أن تتم بالسر وهم يعتقدون أنها شرعية وتكون موزعة على أكثر من مقر وديوان حتى لا تكتشف؟ وكيف لتشاورية أن تتم وقد وصل عدد المصوتين فيها إلى أكثر من ألف شخص؟لقد سعى المشرع في سن قانون تجريم الفرعيات إلى الوصول إلى هدف محدد، فكل قانون له غاية، وغاية هذا القانون هو السعي إلى تغليب مفهوم المواطنة على مفاهيم أخرى أقل أهمية كمفهوم القبيلة والمذهب والعائلة، إضافة إلى سعي هذا القانون إلى تعزيز المادة 108 من الدستور والتي تنص على أن عضو مجلس الأمة يمثل الأمة بأسرها ويرعى المصلحة العامة، وخوضه للانتخابات الفرعية أو ما يعرف بالتشاورية يؤكد بما لا يدع مجالا للشك على أن تمثيله يكون فقط للقبيلة وليس للدائرة وإن كان قد نجح منها.إن الانتخابات الفرعية لا يعرفها مبدأ حق أو قانون، كما أنها ووفقا لما جاء في نص حكم المحكمة الدستورية، تكرس الانتماء الطائفي والقبلي على حساب الانتماء الوطني، وتتيح فرص الفوز للعناصر التقليدية صاحبة النفوذ والتأثير داخل القبيلة أو الطائفة على حساب العناصر الأكثر قدرة على العطاء والإبداع. إنني أتساءل هنا، كيف لمواطن يخترق القانون ويخوض الانتخابات الفرعية التشاورية أن يدافع عن هذا القانون وغيره من القوانين ويحاول مساءلة ومواجهة من يحاول الالتفاف عليها داخل قبة عبدالله السالم، وهو أول من أباح لنفسه انتهاكها؟ختاماً، أرجو ألا يساء فهم كلامي على أنه موجه ضد أبناء القبائل، فتاريخهم المشرف هو جزء لا يتجزأ من تاريخ الكويت القديم والمعاصر، إلا أننا ننادي بتطبيق كل القوانين على جميع المواطنين من دون تفرقة أو استثناء.كل ما ذكرته أعلاه، كان لمقال لي قبل نحو أكثر من أربع سنوات مع بعض التعديل، عادت الانتخابات «فتكرر» المشهد، وكان لزاماً علي أن «أكرر» كذلك المقال، ويبدو أنني سأعيد «تكرار» المقال لأن الحدث «سيتكرر»، كذلك كلما «تكررت» الانتخابات ومن دون أن أمل من «التكرار»... لعل «التكرار» ينفع!Email: boadeeb@yahoo.com
مقالات
اجتهادات
نكرر... التشاورية والفرعية سيان!
06:18 ص