حتى اليوم، يبقى تعامل الجهات المعنية بظاهرة العنف الطلابي في المؤسسات الأكاديمية غير جدي، ولم يأخذ المنحى الذي يمكن من خلاله معالجة الظاهرة ووضع الحلول التي يمكن أن تفضي إلى القضاء على الظاهرة، وكأن المعنيين ينتظرون خبرا في الصحف بعنوان «طالب قتل زميله في مشاجرة لاختلاف بالرأي»!فلايزال العنف الطلابي مستمرا في المجتمع الطلابي، سواء في جامعة الكويت، اوالهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، او في الجامعات الخاصة، وحتى في المستويات الأدنى بالمدارس. فرغم كل الحملات التوعوية التي اطلقت للحد من العنف الطلابي، تتكرر الحوادث والسبب آراء انتخابية تختلف وينشأ من هذا الخلاف ردة فعل عنيفة على الرأي المخالف، اما ان يكون بالسب والشتم وعلو الصوت، او يتطور الى ان يصل الى حد التشابك بالايدي والتقاذف بالكراسي واستخدام الأدوات الحادة في بعض الاحيان.وللاسف رغم تكرر المشاهد الدامية في الجسم الاكاديمي بين الطلبة الذين يعتبرون بذرة لنخبة المجتمع، نرى ان الأساتذة اوالإدارات في المؤسسات الأكاديمية لم تتطرق لبحث اسباب هذا العنف وآليات القضاء عليه وزرع مبادئ سامية في نفوس الطلبة في تقبل الاخر وتبادل الاراء واحترام وجهات النظر.«الراي» فتحت ملف العنف الطلابي، وبحثت في مسبباته وسبل علاجها مع أكاديميين وطلاب نقابيين، لعلها تضيء شمعة في هذا الطريق المظلم لإنارته ورفع أسباب الظلام عنه.البداية كانت مع الأستاذ في جامعة الكويت عميد كلية العلوم الاجتماعية الدكتور حمود القشعان، الذي شخص أسباب العنف الطلابي بالقول ان «اسبابها في المجتمع الجامعي حقيقة لا اعتبرها ظاهرة، وهذا العنف في الجسم الطلابي حوادث فردية، وقد رصدناها وهي مناوشات بين افراد محصورين على يد واحدة».واضاف القشعان «اليوم في ظل وجود ادوات التواصل والتصوير الحديثة، اصبحت نوعا ما تبالغ في هذا الامر، وبالتالي هناك مشكلة في نوعية العنف وليست في كمية العنف، فلدينا 39 الف طالب في جامعة الكويت، وتحصل مناوشات في كل كلية، فمثلا في كلية الاداب التي يتجاوز عدد طلبتها السبعة الاف طالب، لو حدث شجار طالبين فهذه لا تعد ظاهرة بل مشكلة» مؤكدا ان نوعية المشاكل اختلفت ففي السابق كان من الممكن ان يكون الخلاف والعنف لفظيا ولكن اليوم مع الاسف يكون هناك ادوات وغيرها في حالة العنف.وبين ان «سبب المشكلة الاول هو غياب ثقافة الحوار في المجتمع ككل، فنلاحظ على مستوى السياسيين وعلى مستوى المتنافسين وعلى مستوى حتى الوظيفه هناك اليوم عنف لفظي وعنف الكتروني. فبالتالي ابناؤنا في الجامعة هم انعكاس لما يجري في المجتمع. اننا نلاحظ اليوم العنف في الصحافة وفي تويتر كل هذا في حقيقة الامر ولد السبب الثاني، وهو التراكمات والاحباطات لانه مع الاسف اصبحت لدينا ثقافة سائدة وهي ثقافة التخوين والتهميش والشيطنه لكل من يخالف الرأي. واذا اختلفت مع انسان ولم استطع ان احاوره او اجادله او ان اقنعه، البس القضية بانها قضية طائفية او مذهبية او قبلية مع الاسف.واشار القشعان الى ان«السبب الثالث وهو الاساسي هو غياب تنفيذ القانون، فالكويت بلد يملك احسن القوانين لكن نفاذ القانون غير سليم. والسبب الرابع وهو من اهمها ان البيت والمدرسة والفصل الجامعي اقصى او ازال مفهوم الحوار. وذكر القشعان ان العنصر الاخر لحل الخلافات ان نناقش مواضيعنا بحرية داخل الجامعة وانا اقول للطلبة دائما انت حر في ما تبديه عدا ثلاثة امور لا تحضر لي أي موضوع طائفي ولا قبلي ولا موضوع فيه كراهية واذا اردت ان تنتقد انتقد الافعال ولا تنشغل بالافراد موضحا اننا نحتاج الى نفضة في اعادة القوانين واللوائح التي تكون غامضة او تتساهل احيانا في تطبيق العقوبة.وذكر أن «هناك قانونا يسمى قانون الوحدة الوطنية يجب علينا كجامعة الكويت ان نستمد منه بعض التشريعات، فأي انسان يرفع شعارا قبليا او فيه كراهية للاخر او طائفية يجب عليه ان يطبق. بل انا ادعو اذا رأينا بعض اعضاء مجلس الامة او السياسيين او حتى رجال الدين من يتدخل في شؤون الجامعة ويحاول ان يصطف او يعمل اي حركة فيها استقطاب للطلبة، فيجب علينا ان نطبق عليه القانون لان الطالب الجامعي بحاجة لان يكون مستقلا لا ان يكون تابعا لاي تيار او شخصية اعتبارية خارج الجامعة.تطبيق اللوائحومن جانبه، قال استاذ الاعلام في جامعة الكويت الدكتور خالد القحص ان«اسباب العنف الطلابي برأيي تنقسم الى ثلاثة اقسام، منها فردية تعود للشخص نفسه مرتكب العنف، وجماعية، ولائحية مختصة بجامعة الكويت».وأضاف القحص«أعني بالاسباب الفردية للعنف الشخص نفسه الذي يكون انفعاليا وغضوبا جدا، ويكون من النوع الذي بسرعة تحت اي ظرف نفسي يغلق باب الحوار، ويلغي احترام الشخص الاخر ووجهات النظر المخالفة لرأيه او لقائمته الانتخابية، وينتقل الى الاسلوب الذي يحسنه ويرتاح اليه، وهو سلوك العنف سواء اللفظي او البدني مبينا ان العنف الطلابي يثيره في بعض الاحيان شخص واحد هو من يبدأ بالمشكلة وباقي القائمة تدخل في الموضوع».ولفت القحص الى ان النوع الثاني من اسباب العنف هي الاسباب الجماعية واعني بها المتعلقة بالقائمة وهي التحشيد والزخم وقضية الحث على ضرورة الفوز والتأكيد على هذه الرسائل بقوة جدا دون وضع توازن منطقي مثلا نحن نريد الفوز ولكن يجب ان نراعي القوائم الاخرى ونحترمها ونحن في الاخير زملاء في الدراسة، موضحا ان بعض القوائم من النوع التي تستفز الطلاب وتشحن مشاعر اتباعها ففي اول مواجهة او اختلاف في وجهات النظر تجدهم يتجهون للعنف.وتابع النوع الثالث من مسببات العنف هو اسباب لائحية فقد يكون هناك غياب للوائح التي تضبط عملية العنف الطلابي او قد تكون هذه اللوائح موجودة حاليا تعاقب على العنف الطلابي، ولكن للاسف انها غير مفعلة بشكل دقيق، فلم نسمع ان هناك طلابا او قوائم معينة منعت من المشاركة الانتخابية بناء على العنف السابق الذي حصل في الانتخابات السابقه مثلا، وهذه اللوائح غير مفعله لتردع المتجازوين. فنحن لا نتحكم بمشاعر الناس ولكن بعضهم «يخافون ما يستحون».التهميشوبدوره قال الاستاذ في جامعة الكويت الدكتور خضر البارون إن عدم الوعي الصحيح لعمل الدعاية الاعلانية للكتلة التي ينتمي إليها الطالب هي احد ابرز أسباب العنف في المجتمع الطلابي ويجب ان يكون هناك قواعد للترويج، مبينا ان هذا الوعي لابد ان يسبقه شروط، وهو الا يقلل من شأن المجموعات الاخرى ولا يكون هناك اثارة للنعرات الطائفية والقبلية وغيرها. وأضاف ان العنف الطلابي يتولد غالبا بسبب التهميش للآخرين وتمجيد النفس وطرح خطاب يثير النعرات القبلية والمذهبية، فالطالب لابد ان يكون له وعي ثقافي ويجب احترام الحرم الجامعي كما انه لابد ان يكون هناك مراقبة من الجامعة وتشديد اللوائح والا يكون هناك مجال لكلمة «سامحوني».من جهته قال الاستاذ في كلية التربية الأساسية في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب الدكتور حسين الهدبة إن من أهم أسباب العنف الطلابي الجامعي قضية التسييس وتدخلات خارجية لأحزاب وتيارات وعنف طائفي وقبلي يحصل لدينا في المؤسسات الأكاديمية. وأضاف»لذلك من الاسباب المؤدية الى العنف في المجتمع الطلابي القصور في النضج الشبابي وعدم إحساس الطالب بانتقاله من المرحلة الثانوية إلى المرحلة الجامعية وعدم معرفته بأنظمة ولوائح الدراسة والنظام الجامعي«.وأشار الهدبة الى ان ظاهرة العنف غير متوقفة على طلبة الجامعة فهي موجودة في الأماكن العامة والمولات والشوارع وحتى المنازل.وأهم أسباب انتشارها واستمرارها هو عدم الهيبة من القانون وغياب الرادع الأخلاقي والديني.التعصب الفكريإلى ذلك قال نائب رئيس الهيئة التنفيذية لشئون الفروع في اتحاد طلبة الكويت مشاري الديحاني «ان احد ابرز اسباب مشكلة العنف هي عدم تقبل التباين والاختلاف في وجهات النظر والتي اصلها للاسف التعصب للفكرة دون أن يكون هناك عدة اراء تتكامل للوصول للاراء الصحيحة وهي من تبعات العنف الموجود ايضاً خارج اسوار الجامعة سواءً كان اللفظي اوغيره.وأضاف تحل هذه المشكلة بزيادة الوعي الموجود لدى الطلبة منذ نشأتهم في مقاعد المدارس وايضاً هناك دور رئيسي على الاسرة في المنزل يجب ان يساهموا بكل فاعلية في دورهم تجاه ابنائهم.ومن جانبه، قال منسق قائمة الوسط الديموقراطي الاسبق يوسف القطان ان ابرز اسباب العنف الطلابي ضعف الوعي النقابي وعدم استخدام المنطق والفكر في تبادل الاراء، فأصبح في حال انعدام المنطق والحجة تكون الايدي هي البديل في عملية فرض الاراء للاسف كما انه لا يوجد رادع واضح فالطالب» يتهاوش» ويصنع المشكلة ولا يلحقه اي عقوبة تردعه.وأضاف ان العلاج لهذه المشكلة يكمن في تعزيز المواجهة الفكرية بدلا من المواجهة بالعنف والعمل على زيادة الورش الثقافية والمناظرات الطلابية وفتح المجال لتقبل الرأي الاخر ولا ينغلق الشخص على رأي واحد.
محليات - جامعة
الظاهرة بعيدة عن المعالجة الأكاديمية الحقيقية... فهل التحرك مرهون بحدوث كارثة؟
معالجة العنف الطلابي تنتظر... «طالب قتل زميله في مشاجرة»!
06:30 م