استقرت أسعار مواد البناء نسبياً بعد ان ارتفعت بمستويات قياسية خلال الفترة الماضية، في حين ان هناك توقعات بارتفاعها مرة أخرى بسبب ارتفاع أسعار النفط وارتفاع أجور الشحن والطلب المستمر على هذه المواد من المستهلكين، فمنطقة الخليج مثلاً تشهد طفرة عمرانية واسعة وثورة واسعة في عالم التغيير العمراني. بيد ان الارتفاعات السعرية التي طرأت على جميع مواد البناء ليست محتكرة على السوق المحلي، وانما هي ارتفاعات سعرية عالمية اثرت على الأسواق المحلية.
/>أوساط تجارية مختصة بمواد البناء توقعت ان تتواصل الأسعار ارتفاعاً إلى ان تنخفض أسعار النفط أو ان تزيد عمليات شحن البضائع بشكل يغطي الطلب المتنامي، فمادة الصلب مثلا، والتي تدخل في منتجات البناء قد حققت أعلى نسبة ارتفاع للاسعار، الى ان وصل سعرها إلى 1500 دولار للطن الواحد للعام الحالي، كما ان المنتجات الخشبية قد واصلت أسعارها ارتفاعاً ملحوظا في الأسواق بنسبة 50 في المئة، اذ ان سعر الخشب الأحمر قد وصل من 750 دولارا الى ألف دولار أميركي للطن الواحد تقريبا، وايضا ارتفع سعر الالمنيوم بما يقارب 30 و40 في المئة خلال هذا العام بسبب الطفرة التي شهدتها المواد الأخرى، هذا وقد واكبت هذه الزيادات ظاهرة «التضخم» الذي شهده السوق العالمي هذا العام.
/>ان ارتفاع أسعار مواد البناء التي وصلت نسبتها بين 30 و50 في المئة اثر سلبا على المشاريع العقارية الضخمة بجميع دول الخليج والبلدان العربية الأخرى فازدادت شكاوى المستثمرين والمشترين من هذه الطفرة التي أخرت مراحل البناء في الوحدات والمشاريع وساعدت على بعثرة مواعيد التسليم على المفتاح! الأمر الذي خلق نسبة كبيرة من المنازعات والقضايا التي اربكت الجهات القضائية المختصة، فالمشكلة ان المستهلك الخليجي لم يسبق له ان تعامل مع الواقع الجديد لأسعار البناء «النارية» في الأسواق المحلية من قبل، لذلك كان صعباً عليه تقبلها كظاهرة عالمية تشمل السلع والمواد الأساسية كلها في البناء، وبالتالي سيكون المستهلك امام واقع صعب ملزم التنفيذ، بل عليه تقبل الزيادة في كل مرة عند الشراء، وترك العقار أو المنزل أسود، من دون اكمال اجراءات التشطيب النهائي مشكلة تؤرق المالكين، فلا يطمئن الحال الا بعد تسلم مفتاح البيت من المقاول أو البائع.
/>نجد ان بعض الدول الخليجية استطاعت ان تسيطر على تصاعد أسعار مواد البناء من خلال اصدارها قرارات تساعد على وقف التصدير، فالمستهلك الخليجي شعر انه في أمس الحاجة الى المنتجات المحلية في وقت كان فيه يتم تصدير معظم مواد البناء الى الخارج، ففي السعودية مثلاً لقيت أوساط شعبية ارتياحاً للقرار الملكي الذي صدر لجميع منافذ الجمارك السعودية، والذي بموجبه يحظر تصدير مواد البناء الرئيسية كالحديد والاسمنت والطابوق على انها خطوة لكبح جماح الاسعار الملتهبة لمواد البناء محليا، وتمكين المواطنين السعوديين من استئناف مشاريع مساكنهم الخاصة، وقد انعكست هذه الخطوة أيضا على سوق الاسمنت الذي شهد سعره هبوطا اضطراريا، وأثر على سلوك التجار والموردين الذين تقلصت لديهم عملية التخزين الى حد الاستسلام، ما جعلهم مجبرين على طرح المخزون في السوق المحلي، خوفا من الخسائر أو الافلاس، وقد لاحظنا تحرك صغار التجار الذين أصبحوا ينافسون تجار مواد البناء الكبار «المعروفين» عن طريق بيع ما لديهم من بضائع على حدود دول الخليج بأسعار رمزية مربحة، في ما كان كبار التجار يتقاضون ثلاثة أضعاف السعر الأصلي!
/>يتوقع مراقبون للسوق المحلي انخفاض سعر كيس الاسمنت نحو 30 في المئة خلال الأشهر المقبلة وبمستوى يرضي الجميع، ان استمر قرار وقف التصدير إلى الخارج، فقد سجل سعر عبوة الاسمنت انخفاضا ملحوظا في الأسواق المحلية والخليجية، وسيؤدي زيادة المعروض بكميات أكبر انخفاضا في الاسعار لتعود الى مستوياتها الأولى، كما ان أسعار الحديد ستشهد انخفاضا عالميا بسبب استقرار الطلب العالمي عليه، اما بالنسبة الى مادة الصلبوخ التي تعتبر مادة أساسية للبناء، فقد ارتفع سعرها عن السابق بشكل ملحوظ، اذ ارتفع سعرها بنسبة 125 في المئة في العام الحالي، ووصل سعر المتر من الصلبوخ الى 27 دينارا، ويرجع ذلك الى ارتفاع سعر المادة في بلد المنشأ «المصدر» نتيجة للزيادة الملحوظة على أسعار الوقود وعلى أسعار الشحن البحري عالميا، لذا تعتزم دولة قطر الشقيقة تجميد اسعار الصلب والاسمنت لمدة أعوام ثلاثة بسبب «مشكلة التضخم» الذي عانت منه أيضا دول الخليج العربي كلها، بيد ان حكومة قطر الشقيقة تعهدت على تحمل أي زيادة طارئة في أسعار مواد البناء ودعمها، خصوصا ما يتعلق بالصلب والاسمنت ووقود الديزل الذي يدخل في الكثير من الصناعات المحلية... أما في الكويت فقد عانى الكثيرون من المواطنين من ارتفاع أسعار مواد البناء وتصاعدها بوقت قياسي، الامر الذي أصبح يشكل خطرا يهدد السوق العقاري ويساعد في عرقلة نموه، خصوصا في ما يتعلق بشركات المقاولات الملتزمة بتسليم مشروعاتها، اي ان هناك مشاريع عقارية كثيرة في الكويت تبلغ تكلفتها نحو مئة مليار دولار مهددة بالتوقف او التأخر نتيجة عدم استقرار الأسعار والاخلال بالعقود المبرمة بين المالك والشركة المقاولة.
/>ففي النهاية تبقى عملية التنمية والتعمير مرتبطة مع قطاع المقاولات الذي له يد كبرى في تطور وازدهار البلاد. لذلك نتمنى من الحكومة الموقرة ان تتخذ اجراءات عاجلة تساهم في الحد من ارتفاع أسعار مواد البناء حتى لا تتكرر «ظاهرة الغلاء»، وان تفتح المجال أمام الاستثمارات الوطنية في انتاج وتصنيع مواد البناء كالاسمنت والرمل والحديد وغيرها من المواد الضرورية مع ضرورة منع الاحتكار في الانتاج والاستيراد حتى لا يؤدي ذلك الى نكسات متعاقبة تؤثر سلبا على النمو العقاري والنمو المالي والاقتصادي في البلاد.
/>لقد آن الأوان بأن تنتهز فرصة استقرار الطلب العالمي على مواد البناء لتشهد الكويت المزيد من المشاريع العقارية الجديدة التي تنعكس على حركة البناء والتعمير لمواكبة حركة التطور والنمو في العالم ولتكون الكويت درة الخليج... حفظ الله الكويت وشعبها من كل مكروه.
/>علي محمد الفيروز
/>كاتب وناشط سياسي كويتي
/>alfairouz61_alrai@yahoo.com
/>