يتساءل الجميع عن وضع حلب العسكري... ففيما يبشّر الرئيس السوري بشار الأسد باللقاء فيها قريباً، في إشارةٍ الى قدرته على تحقيق نصرٍ ما على المعارضة، وفي ظل تكثيف القوات الروسية قصفها على المدينة، ومع الحشود المتتالية للمجموعات الموالية لايران، يصرّ «الجيش السوري الحر» والفصائل المقاتلة على الارض على الصمود وعلى تأكيد ان من المستحيل على النظام السيطرة على حلب او تهجير اهلها حتى وان صارت «غروزني» اخرى، في ظل تسليم الموقف الاميركي عملياً بالواقع الذي فرضه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مقابل تصاعد مواقف الاوروبيين التي تتخذ طابعاً حاداً ضد القصف الروسي ومحاولات البعض كما حصل في اجتماع سويسرا لبحث الأزمة في غياب المعنيين بها.عن حقيقة الوضع الميداني العسكري في حلب وخريطة المعارك التي تدور حالياً والهدف من ورائها وهل يمكن لأحد الحسم، ولا سيما في الأحياء المحاصَرة من قوات النظام وحلفائه، يتحدث العقيد عبدالجبار العكيدي، أحد قيادات «الجيش السوري الحرّ»، الذي انشقّ عن النظام في أوائل عام 2012 وتولى قيادة المجلس العسكري الثوري في محافظة حلب لـ «الراي».ويقول العكيدي «ان النظام ومعه الروس والميليشيات التي استقدمتْها ايران من كل أنحاء العالم ولا سيما من لبنان والعراق يحاولون اليوم ان يُسقِطوا حلب وهم يعتقدون انها ستكون لقمة سائغة لهم، كما يظنون انهم قادرون اذا أحضروا مرتزقتهم وقصفوا بسلاح الطائرات على اسقاط المدينة»، مشيراً الى قوله قبل ثلاثة أعوام «ان حلب عصية على كل الطغاة».وأضاف مؤكداً: «هي مدينة كبيرة مترامية الأطراف، فيها جيش حرّ مدرّب وقوي ولديه خبرة في قتال الشوارع بالمدن كبيرة جداً، ولذلك فالنظام يسعى الى قضمها من كل الاتجاهات. يحاول من الجنوب من جهة الشيخ سعيد والراموسة ويحاول من جهة الجنوب الشرقي من العزيزة ومطار النيرب ومن جهة الشمال والشمال الغربي من جهة حدارات والجندور، ويحاول من المدينة من جهة بستان الباشا وسليمان الحلبي. والمشكلة انه لا يهتم بعدد العناصر الذين يُقتلون كل يوم في المعارك حيث يسقط العشرات من جيش النظام وهو لا يكلّ ولا يملّ من هجماته الفاشلة. اذ بعد ان تقع في صفوفه خسائر كبيرة جداً، يعيد الكرة من كل الجبهات، فهو يحاول الضغط بالقصف وارتكاب المجازر بحق المدنيين العزل كما في بستان القصر والفردوس وغيرها حيث يقصف الطيران الروسي وتُستخدم الصواريخ الارتجاجية والقنابل العنقودية المحرمة والفوسفورية الحارقة ايضاً، ولكن الحمد لله لم يستطع حتى الآن تحقيق أي تقدم. علماً انه كانت له ايضاً محاولات للتقدم في كرم الجبل باءت بالفشل وتكبّد خلالها خسائر كبيرة».ويوضح العكيدي ان «تحصينات الجيش الحر كبيرة في المدينة ولا يستطيع جيش النظام ولا الروس اختراقها حتى لو بقي وضع القصف العنيف جداً وحتى لو انقطع الإمداد العسكري عن الجيش الحر الموجود في حلب، الا اذا دمّرها بالكامل واعتبر انها غروزني أخرى ومسح المدينة بالأرض»، مضيفاً: «حتى لو فعل، لا يمكن ان يسيطر لان هناك ريفاً سيضغط باتجاهه، ومن المستحيل ان ينجح في إعادة سيطرته على حلب او حتى على سورية، فهذا لن يتحقق له ولو بأي شكل للنظام والروس على حد سواء. ونحن ندرك اليوم ان الروس في ورطة، وهم غارقون في المستنقع ويريدون مَن ينقذهم ويسحبهم من هذا المستنقع، ولكن بكل أسف فإن الولايات المتحدة غير جدية في إنهاء الأزمة السورية، لا بل هي تزيد الأمور تعقيداً عبر جعل الروس يغرقون أكثر فأكثر في الوحل السوري، ولا تعمل على حلّ الموضوع. وما نشهده من قصفٍ عنيف من الروس والعربدة والجنون هدفه الإتيان بأحد لإنقاذهم من المستنقع».استخدم الروس في مجلس الامن حق الفيتو ضد القرار الفرنسي القاضي بمنع الطلعات الجوية فوق حلب، وهو انعكس على الأرض بمزيد من القصف. ويعتبر العكيدي ان «ما حصل غير مفاجئ، وروسيا بعد سنة من تدخلها في سورية لم تستطع تحقيق أي شيء او تحصل على مكاسب حقيقية ومن الطبيعي ان تلجأ الى الفيتو في مجلس الأمن، وان يجنّ جنونها على الأرض وتضغط بأسلوب القتل والاجرام مستهدفة المدنيين بحجة قتال داعش والارهاب. فداعش معروف اين يتواجد وقياداته معروفة، لكن الجيش الروسي لا يتحرك إلا لقتال المدنيين السوريين عبر قصف المدارس والأسواق والمستشفيات واستهداف الدفاع المدني وقوافل الاغاثة والمجالس المحلية، فمجلس مدينة حلب قُصف أكثر من مرة، وواضح انهم داعمون لإرهاب بشار الاسد وإرهاب داعش ايضاً».وعن الوضع الانساني الصعب الذي يعيشه أهل حلب وتأثيره على الواقع العسكري، خصوصاً ان المدافعين عن الأحياء موجودون وسط اهلهم، يشرح ان «الوضع الإنساني صعب بالنسبة للمدنيين وسط عمليات القصف والدمار وما يواجهونه نتيجة استهداف الصورايخ الارتجاجية والفوسفورية للأحياء السكنية وكأنّ ما يحصل زلزال كبير يصيب المباني».ويتابع: «وضع الأطفال سيئ لان الحليب غير متوافر وهناك نقص كبير في المواد الطبية ولم تعد هناك مشافٍ وقلّ عدد الأطباء كثيراً»، معتبراً ان ذلك «لا يؤثر على الوضع العسكري بل يزيد من إصرار المقاتلين والجيش الحر على مواجهة قوات النظام وتكبيدها خسائر كبيرة، وهذا يعطي حافزاً لكل القوى الموجودة سواء في المدينة او خارجها كي تعمل على فك الحصار في حلب، وهذا سيحصل قريباً بإذن الله».في ظل الحصار كيف يحصل المدافِعون على أسلحةِ المواجهة وكيف يجري تدعيم الجبهات القتالية في حلب، وهل من قدرة للجيش الحر على إيصال الدعم العسكري المطلوب؟ يؤكد العكيدي: «لا سلاح يدخل الى حلب فهي محاصَرة، ولكن هناك مخزوناً كبيراً من الأسلحة والذخيرة لدى الفصائل المقاتلة، اذ كانت هناك توقعات بالحصار وقد عملوا حساباتهم وفق ذلك. السلاح موجود ولكن كل ما أشيع عن ان الجيش الحر او الفصائل الأخرى حصلوا على سلاح جديد سواء مضادّ للطائرات او غير ذلك ليس صحيحاً على الاطلاق وهو كلام عار عن الصحة، ولا يوجد لدينا سوى الأسلحة التقليدية التي تسلّمناها سابقاً من داعمين، وهو سلاحٌ نقاوم فيه ولدينا غنائم نحصل عليها من النظام في هجماته على أحياء حلب، كما حصل في بستان السيد او سليمان الحلبي او كرم الجبل. وقد تم أسْر جنود ايضاً وكانت هناك غنائم بالأسحلة من رشاشات وذخيرة وقذائف».وعمّا إذا كان هذا يكفي لتأمين صمود «الجيش الحر» في حلب، يقول: «هذا ما طالبنا به كل الدول، ولكن لا يوجد تَجاوُب بكل أسف. إدارة الرئيس باراك أوباما فرضت حظراً على توريد أسلحة مضادة للطيران ومنعت تسليح الجيش الحر بأسلحة نوعيّة، وأتوقّع أن هذا الأمر لن يتغيّر ابداً في ظل الإدراة الحالية».بعد فشل محاولات حصول هدنة عسكرية في حلب عبر جهود الأمم المتحدة، هل يمكن ان يتحرك الوضع بعد طرْح المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا القاضي بإخراج 800 مقاتل من «فتح الشام» (جبهة النصرة سابقاً) مقابل وقف القصف؟ يرى العكيدي ان «طرح دي ميستورا فاشل، فهو منذ سنتين يقدّم اقتراحات شبيهة حول حلب وقد رفضنا مثل هذه المشاريع لانها كانت اقتراحات تصبّ في مصلحة النظام وليس حلب. هو يتكلم عن 800 مقاتل لـ(فتح الشام)وهذا كلام عار عن الصحة، فعدد المقاتلين من هذا التنظيم لا يتجاوز 200 مقاتل في حلب، وهو قال في السابق ان نصف المقاتلين من هذا التنظيم من(النصرة)، مع انه لم يعد هناك(نصرة) في سورية او حلب بعد فك الارتباط بتنظيم(القاعدة)، لكنه كان يعطي بذلك إشارة وضوءاً أخضر للروس من اجل التصعيد والقصف، ونحن نتحفظ عن كل مقترحات دي ميستورا».ويشدد على «ان ما تقوم به روسيا في حلب وسورية إجمالاً جرائم حرب يجب ان تُحاسب عليها من المجتمع الدولي، فهي تجاوزت كل القوانين الانسانية. وقد شبّه البريطانيون أفعال بوتين بحلب بأفعال النازيين، وأهل حلب ليس أمامهم خيارات سوى الصمود. هم يشاهدون كيف يُقتل أطفالهم وتتساقط المباني فوق رؤوسهم، ولا حوْل ولا قوة ولا خيار أمامهم إلا الصمود».ويوضح ان «الروس يستخدمون أسلحة محرّمة دولياً على مرأى من كل العالم في حلب، وما يحصل فظيع اذ هناك استخدام لصواريخ بعيدة المدى يرمون فيها حلب من آلاف الكيلومترات وتحدّث عنها وزير الدفاع الروسي، بالاضافة الى القذائف الارتجاجية والفوسفورية والعنقودية»، معلناً «حلب لم تعد ساحة حرب محلية بل ساحة حرب بين الروس والغرب، ولكن بكل أسف يدفع السوريون الثمن».وعن توقّعاته لمصير أحياء حلب المحاصَرة وهل تلْقى المصير نفسه لما حصل من تهجير في حي الوعر وداريا ومضايا والزبداني؟ يقول العكيدي: «حلب ليست داريا ولا مضايا ولا الزبداني، حلب مدينة كبيرة وعريقة لا يستطيع النظام تهجير أهلها وتغيير الديموغرافيا فيها على أساس طائفي وعرقي كما فعل في المناطق الأخرى».جرت مراهنات على تدخل تركي في الشمال ينقذ حلب وغيرها، إلا ان العكيدي يؤكد «لا يمكن لأيّ تدخل من هذا النوع إنقاذ حلب، فتركيا لا تقوم بأيّ عملٍ خارج المجتمع الدولي والتوافقات الدولية، ولا يمكن ان تدخل في هذا الصراع لوحدها بمعزل عن قرارات دولية، وهي لم تدعم بشكل منفرد بل في إطار مجموعة الدعم الدولية في سورية، فهي لا تورّط نفسها وتدخل المستنقع السوري لوحدها كما فعل الروس».وعن موقف الدول الاوروبية ومحاولتها إحياء المفاوضات، وهل يمكن ان ينجحوا في ظل الاتفاق الروسي - الاميركي؟ يجيب: «الاوروبيون خلال الأعوام الخمسة الماضية كانت لهم مواقف خجولة، والآن شعروا بأنهم يريدون القيام بفعل ما. الموقف الاميركي ضعيف وسلّم الملف للروس وأطلق يد العربيد الروسي. والحقيقة ان موقفهم (الأوروبيون) في مجلس الأمن جيّد وأفضل بكثير من مواقف بعض الدول العربية، فيما كان الموقف الاميركي مخزٍ ومشين ووصمة عار بحق الأميركيين أنفسهم. والموقف الفرنسي والبريطاني جيّد وتجلى بعدم استقبال بوتين وهي مواقف متقدمة».ويشير الى «ان في حلب اليوم 8000 مقاتل من الجيش الحر وفقط 200 مقاتل من فتح الشام وهي نسبة قليلة جداً، وهم من أبناء حلب ويدافعون عن أهلهم».وعن كيفية تأثير معركة حلب على وضع الريف الشمالي بعد معركة درع الفرات ووضع بلدة دابق التي تتواجد فيها «داعش» والتي تحررت اخيراً يقول: «لن تؤثّر، لأن المعركتين منفصلتان. هناك اليوم أكثر من معركة، وليس درع الفرات فقط حيث حصل تقدّم، وهناك انهيارات لداعش في ريف حلب الشمالي، وهو أمر جيّد ويحفّف عن مدينة حلب، فإذا وصل مقاتلو الجيش الحر وحرّروا مدينة الباب يمكن لهم التوجه غرباً نحو حلب لفكّ الحصار، وهناك معركة جبل الأكراد في الساحل، وثمة خسائر للنظام وتَراجُع، وهناك معركة في حماه. كل هذه المعارك تخفّف من الضغط عن حلب، واذا فُك الحصار في درعا وقاموا بأي عمل فهو أمر سيكون جيداً».وهل تُستكمل المعركة باتجاه الرقة؟ يؤكد العكيدي الامر ويشير الى ان «معركة درع الفرات لن تتوقف الى ان تنتهي داعش في كل سورية».وعما اذا كانت هناك امكانية اليوم لإرساء منطقة أمنية محمية في شمال سورية، يشير العكيدي في الختام: «ان هذا الموضوع دائماً واقعي وهو حل جيّد، إلا ان الإدارة الأميركية تعرقل هذا الموضوع منذ أكثر من ثلاث سنوات. وعملياً الآن هذه المنطقة صارت قائمة بوجود قوات تركية وبعض العناصر من الخبراء الاميركيين الذين دخلوا كوباني، اي عملياً لا يستطيع لا الطيران الروسي ولا طيران النظام التحليق فوق هذه المناطق، وبالتالي صارت مناطق تقريباً فيها حظر جوي».
متفرقات - قضايا
العكيدي: «الجيش الحر» لم يتسلم أي أسلحة جديدة ويستحيل على النظام إعادة السيطرة على المدينة
حلب «العصية على الطغاة» تقاوم... وسط صمت العالم
09:14 م