ليس من المبالغة القول إن لبنان يبدو أمام عشرة أيام مصيرية بالكامل هي الفترة الأخيرة الفاصلة عن موعد جلسة مجلس النواب في 31 الجاري لانتخاب رئيس الجمهورية.إذ إن إعلان زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري تبنيه ترشيح زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون وقيام الأخير بزيارته ومن ثم زيارة رئيس مجلس النواب نبيه بري المعانِد بقوة لافتة لانتخابه، أطلق العنان امس لمناخٍ غلبتْ معه الشكوك والمخاوف الأمنية من جهة والتوقّعات المتفائلة بوصول عون من جهة مقابلة.ولم تخفف إطلالة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع من الرابية حيث زار عون امس وطأة الشكوك المتصلة بظاهرة الانقسام الشيعي اللافت حول انتخاب عون بل ان ظهور «العراب» المسيحي لترشيحه اي جعجع زاد التساؤلات الثقيلة عما يمكن «حزب الله» ان يقوم به مع شريكه الشيعي الاساسي لتسهيل ربع الشوط الأخير امام انتخاب «الجنرال».وقد بدا جعجع الذي تحدّث عن «اننا اقتربنا من نهاية النفق الرئاسي» حريصاً على اشاعة الآمال العريضة بنجاح خياره مع خيار الرئيس الحريري، لكن مع ذلك بدا لافتاً ان أحداً لا يملك الضمانات القاطعة بأن ما تبقى من وقت الى جلسة 31 اكتوبر سيكفل كسْح الألغام المنتشرة امام جعل هذه المحطة تكرّس توافقاً شاملاً يأتي انتخاب عون من ضمنه بما يسهّل مرحلة ما بعد الانتخاب ولا سيما لجهة الحكومة العتيدة.وإذا كان جعجع أبرز التطور الحاصل من زاوية اعتباره بدء التنفيذ الحقيقي لاتفاق الطائف للمرة الاولى، جازماً بأن الرئيس الحريري «سيُكلّف تشكيل الحكومة الجديدة ويجب أن يؤلّف»، فان ذلك لا يبدو انه يلقى قناعة لدى الرافضين بحدّة لانتخاب عون خصوصاً في المقلب السني كما المسيحي المناهض لعون. ويبدو واضحاً ان جبهة الرافضين لعون استمدّت قوة كبيرة من ظاهرة خطيرة ضربت صفوف «كتلة المستقبل» نفسها وتمثّلت في إعلان ما يناهز الثمانية الى عشرة نواب حتى البارحة رفْضهم انتخاب عون.وعلى أهمية هذه العوامل المثيرة لمناخٍ متوهج، فان السؤال الأكبر الذي يشغل مختلف القوى والأوساط السياسية يتمركز حول اللغز المحيّر المتعلق بالعقدة الشيعية والتي ينتظر الجميع بل يرصدون بكل دقة ما سيقوم به «حزب الله» في الأيام القليلة المقبلة لرأب الصدع الكبير في المشهد الشيعي اولاً وتالياً لضمان الوصول الى يوم الجلسة الانتخابية بنصاب سياسي كامل وضمان فوز عون بعدد مرموق من الأصوات، وتفادي مفاجآت لن ترتدّ بالدرجة الاولى الا على الحزب وعلاقته بعون الذي سيشارك في جلسة 31 الجاري رغم إصرار الحليف الثاني لحزب الله اي النائب سليمان فرنجية على الاستمرار بالمعركة، وهو (فرنجية) يعمل على الحشد لها مدعوماً من بري ومحاولاً استمالة أصوات مترددة او معترضة على عون من حزبيين في 14 آذار او مستقلين، اضافة الى المساعي الجارية لجسّ نبض النائب وليد جنبلاط، وهي الحركة التي من شأنها ترْك «حبس الأنفاس» قائماً رغم اطمئنان عون الى أرجحيّته ولو في الدورة الثانية (تحتاج الى غالبية أكثرية 65 نائباً).وتتّجه الأنظار في هذا السياق الى اجتماع تعقده كتلة جنبلاط اليوم لتحديد الموقف والخيار، وسط توقعات بأن يلتزم النواب الـ 11 في الدورة الاولى (يحتاج الفائز فيها الى اكثرية 86 نائباً) التصويت لمرشح الكتلة النائب هنري حلو على ان ينقسموا بين عون وحلو في اي دورة ثانية، وإما أن يصوّت النواب الحزبيون من الدورة الاولى لعون مع ترْك الحرية للنواب الآخرين.وبانتظار تبلْور موقف جنبلاط، زادت الشكوك مع الحديث الذي بدأ يتصاعد عن مقاطعة بري للحكومة المقبلة ورفضه تسمية الحريري رئيساً لها وكذلك رفضه المشاركة في الحكومة، الامر الذي أرخى مزيدا من الأثقال على «حزب الله» ووضعه في عين العاصفة.وتقول مصادر مواكبة للاتصالات السياسية لـ «الراي» ان الخطوة الاخيرة للحريري بترشيحه عون فجّرت، من حيث أراد لها ام لم يرد، جبل التداعيات وأطلقت اختبار النيات النهائي على غاربه ووضعت «حزب الله» خصوصاً امام ساعة الحقيقة الحاسمة التي لن يمكنه المناورة أمامها بعد الآن، علماً ان الأنظار تشخص على الكلمة التي يلقيها امينه العام السيد حسن نصر الله غداً وهي الاولى له بعد ترشيح الحريري لعون.وحسب هذه المصادر، فإنه اذا كان الحريري بلغ ذروة مخاطرته في تعريض بيته الداخلي للاهتزاز، فان بيوتاً اخرى قد تكون عرضة لاهتزازات أخطر، بدءاً بالاختبار الشيعي لان اي خطر يتهدد الجلسة الانتخابية في موعدها سيهدّد بضياع فرصة عون نهائياً ويضعه في مواجهة مع حليفه الشيعي مع ما يترتّب على ذلك من تداعيات غير مسبوقة.إلا أن الإشارات التي صدرت عن اللقاء «البارد والفاتر والسريع» الذي جمع ليل الخميس بين بري وعون، بعيد زيارة الأخير للحريري، عكست افتراقاً بين الرجلين وتكريساً من رئيس البرلمان الذي يغادر اليوم الى جنيف ولن يعود الا في 29 الجاري، لثابتتيْن: النزول الى جلسة 31 اكتوبر والتصويت لفرنجية، واعلانه «وأنا ملتزم منذ الآن بعدم تسمية الحريري رئيسا للحكومة، وقراري حاسم بالذهاب إلى المعارضة».وفيما قال بري، الذي اشترط على عون عدم حضور صهره الوزير جبران باسيل اللقاء، «سمعت من دولة الرئيس عون وسمع مني، ولا يفسد الاختلاف في الود قضية»، وضع عون زيارته في إطار «الواجب»، موضحاً «نحن بالطبع نطلب دعمه لنا في الاستحقاق الرئاسي إلا أننا نحترم في النهاية حرية القرار الذي يتخذه».وفي غمرة «الغبار» الذي أثارته خطوته، أعلن الرئيس سعد الحريري لصحيفة «النهار» انه «مطمئن» الى النتائج التي انتهت اليها مبادرته بترشيح عون. وقال انه لا يرى تأجيلاً لجلسة الانتخاب في 31 الجاري «إلا اذا أرادوا ذلك»، في إشارة الى ما يتردد عن مسعى لتأجيل الجلسة لتسوية العلاقة المتوترة بين بري وعون.وفي واشنطن (ا ف ب)، قال وزير الخارجية الاميركي جون كيري ، أمس، «نحن نأمل بالتاكيد ان (يحدث) تطور في لبنان، لكنني لست واثقا من نتيجة دعم سعد الحريري لعون... لا ادري». اضاف: «نحن نامل ان يتم تجاوز هذا المأزق الذي يؤثر على لبنان والمنطقة».
خارجيات
بري أدار ظهره وجنبلاط يحسم موقفه اليوم والحريري قال كلمته و... ينتظر
الانتخابات الرئاسية اللبنانية تتّجه إلى معركة غير متكافئة بين عون وفرنجية
مصافحة ودرع تذكارية بين ضابطين لبناني ودولي خلال الاحتفال بالذكرى العاشرة لإنشاء بحرية «اليونيفيل» في لبنان (د ب ا)
09:12 م