ماذا بعد الترشيح الذي كانت بيروت تنتظره «بين ساعة وأخرى» من زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري لزعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية؟سؤالٌ صار الشغل الشاغل في العاصمة اللبنانية منذ ان تبلّغ حلفاء الحريري منه يوم أمس أنه حسَم خياره بترشيح العماد عون وانه يتّجه الى إعلان ذلك في الساعات الـ 24 المقبلة، وهو ما جعل اجتماع «كتلة المستقبل» عصراً (امس) يخطف الأنظار ترقُّباً لما اذا كان إعلان تأييد زعيم «التيار الحر» سيحصل في نهايته، رغم ترجيح ان يحصل ذلك اليوم.ومنذ ان فاجأ الحريري الجميع بعودته مساء الاثنين الى بيروت آتياً من باريس، على عكس ما كان أشيع عن انه في الرياض ومرتبط بموعد مع ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ساد الترقّب إزاء ما يحمله في جعبته من نتاجتحركاته الخارجية الأخيرة وما اذا كان سيكمل في سياسة التمهّل في ما خص التراجع عن ترشيح النائب سليمان فرنجية وإعلان دعم عون ام انه سيكرّس تفاهمه مع زعيم «التيار الحر» في هذا السياق بمعزل عن كل «الألغام» التي ما زالت تعترض إنجاز الاستحقاق الرئاسي والتي تعبّر عن نفسها بالدرجة الأولى بـ «ممرّ السلّة» الذي اشترطه رئيس البرلمان نبيه بري لإمرار «رئاسية لبنان» والذي استدعى دخولاً لقريبين من النظام السوري على خط رفدِ «السلّة» بمقويّات من خلال رسم معادلةٍ تربط بينها وبين تولي زعيم «المستقبل» رئاسة الحكومة في العهد الجديد.ومنذ أولى ساعات صباح امس بدا ان الحريري حسم قراره بوضْع ورقة ترشيح عون على الطاولة في إطار حرصه على الذهاب حتى النهاية في مسار إخراج نفسه من دائرة أي تعطيلٍ للاستحقاق الرئاسي، لمصلحة تمرير «الكرة» الى فريق «8 آذار» وتحديداً الحلفاء المفترضين للعماد عون الذين باتوا يتصدّرون، ولا سيما الرئيس بري جبهة الرفض لوصول زعيم «التيار الحر» الى الرئاسة تحت عنوان «مرشّحنا هو السلّة».والواقع ان هذا المناخ طغى على الحركة النيابية التي شهدها البرلمان لانتخاب لجانه بعد بدء العقد العادي السنوي الثاني له، كما على اجتماع هيئة مكتب المجلس بعد انتخابها والتي وضعت جدول أعمال الجلسة التشريعية التي دعا اليها بري اليوم والذي يتضمن اقتراحات ومشاريع قوانين تندرج تحت عنوان تشريع الضرورة والتي تنطوي على طابع العجلة لطبيعتها المتعلقة بالانفاق المالي للدولة وباتفاقات دولية يفترض إبرامها قبل نهاية الشهر الجاري تجنباً لوضع لبنان على القائمة السوداء لدى منتديات مالية أوروبية ودولية، الى جانب إدراجٍ «شكلي» لقانون الانتخاب في آخر جدول الأعمال بشكل معجل مكرّر ليبقى للهيئة العامة البتّ بهذه الصفة أثناء الجلسة، وهو ما اعتُبر محاولة لاسترضاء القوى المسيحية ودفْعها الى المشاركة، الامر الذي سيفعله «التيار الحر» ولم يكن حزب «القوات اللبنانية» قد حسمه.واذا كانت المشاركة المرتقبة للنواب في كتلة العماد عون في جلسة التشريع تُعتبر في سياق «مستلزمات» ملاقاة الخطوة - الحدَث الذي سيقوم بها الحريري بإعلان دعمه وايضاً توجيه رسالة حسن نية الى بري الذي ينتظر زعيم «التيار الحر» ليباشر حواراً معه ان يصبح ترشيحه من زعيم «المستقبل» في جيْبه، فإن رئيس البرلمان استبق خطوة الحريري بموقف - قنبلة لمعاونه السياسي وزير المال علي حسن خليل من مقرّ مجلس النواب عكس استياء بري من الحريري وعون معاً ورفع مستوى الاعتراض على وصول «الجنرال» الى قصر بعبدا الى سقف غير مسبوق.وتم التعاطي مع موقف خليل، على انه عكس تسليم بري بأن ترشيح الحريري لعون صار محسوماً، وهو ما كانت عبّرت عنه ايضاً مجموعة إشارات أبرزها:? استقبال الحريري وزير الثقافة ريمون عريجي والوزير السابق يوسف سعادة وهما من الحلقة الضيقة القريبة من النائب فرنجية، الأمر الذي فُسر على انه في سياق وضعهما في أجواء تخلي زعيم «المستقبل» عن دعم فرنجية للرئاسة.? استكمال الموفد الفرنسي جيروم بونافون لقاءاته في بيروت مع القادة السياسيين التي بدأها مساء الاثنين وشملت يوم امس العماد عون، فيما كان لافتاً امتناع بري عن استقباله في هذين اليومين بحجة انشغاله بجلسات مجلس النواب، وهو ما أوحى بأن مهمة بونافون تتصل بدعم ضمني لموقف الحريري الذي عاد الى بيروت بالتزامن مع وصول الموفد الفرنسي.? «تغريدات» للنائب وليد جنبلاط عكستْ بدورها قرب إعلان الحريري تأييد عون، اذ لمّح من خلالها الى امكان أن لا تصوّت كل كتلته البرلمانية لمصلحة زعيم «التيار الحر» (كان جنبلاط اعلن انه سيسير به بحال دعمه الحريري)، مطلقاً عتباً ضمنياً على عدم شموله بالتفاهمات ذات الصلة بمرحلة ما بعد الانتخاب.وقال جنبلاط: «على سبيل التذكير هناك كتلة نيابية متنوعة من حزبيين ومستقلين واصدقاء لها رأيها الى جانب رأي رئيسها» (وأرفق كلامه بصورة خراف)، مذكراً بأن»اللقاء الديموقراطي اول من تقدم بترشيح هنري حلو لرئاسة الجمهورية وليس اللقاء قطيعاً من الغنم بالرغم من محبتي لهذا الحيوان الاليف والمظلوم، ولذا وان كانت الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها البلاد تقتضي تسوية استثنائية، حبذا لو أُخذ في الاعتبار رأي هذا اللقاء المتنوع والديموقراطي. وختاماً ومهما آلت الظروف فليكن الحوار الهادئ سيد الموقف كما يشير اليه الرسم اعلاه».? تغريدة الوزير السابق وئام وهاب (القريب من حزب الله والنظام السوري) التي كتب فيها:»إنقضى الأمر ميشال عون رئيساً للجمهورية».ورغم هذا المناخ، فإن اوساطاً سياسية في بيروت ترى ان تبني الحريري ترشيح عون لا يعني ان المسرح صار مسهلاً لانتخاب الأخير أقله في المهلة المتبقية لموعد الجلسة الانتخابية المقبلة المحددة في 31 الجاري والتي برزت إشارات يوم امس الى امكان عدم انعقادها وإرجائها الى 17 نوفمبر المقبل.وفي رأي هذه الأوساط ان هناك سيناريوان لمرحلة ما بعد إعلان زعيم»المستقبل»دعم عون: الأول ان ينجح زعيم»التيار الحر»وبمؤازرة»حزب الله»في محاكاة مطالب بري التي تعبّر عنها»السلّة»والتي يعتبرها ضمانة لموقع الطائفة الشيعية في التسوية المطروحة، وهو ما يفترض ايضاً دخول الحريري على خط التفاهم بين عون وبري وخصوصاً ان مصادر متقاطعة تعتبر ان رفع رئيس البرلمان سقف الاعتراض مردّه الى رغبة ضمنية في تحسين شروط التفاوض في ملاقاة الخطوة النوعية للحريري، وهو ما يفسّر المعطيات التي ترجّح إرجاء جلسة 31 الجاري لنحو اسبوعين لبلوغ تسوية غير منقوصة.اما السيناريو الثاني، فأن لا يحصل التفاهم المنشود مع بري، وعندها تصبح حكومة العهد الجديد ورئاستها محور الشروط، بمعنى ان لا يكون تولي الحريري رئاستها أمراً مضموناً او ان تتم محاصرته بجملة مطالب تعجيزية من مثل التخلّي عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ووقف الحملات على النظام السوري وإعادة تطبيع العلاقات اللبنانية - السورية، ووقف الحملات على مشاركة»حزب الله» إلى جانب النظام السوري في قتال المعارضة وما شابه.ومن ضمن هذا السيناريو، لا يُستبعد ان يتمّ انتخاب عون، ولو في جلسة بقي فيها فرنجية على ترشيحه (الغالبية مضمونة لعون بعد تأييد الحريري ورغم رفض بعض نوابه انتخاب الأول)، وتالياً انتقال المأزق برمّته الى الملف الحكومي.