هناك اختلاف واتفاق بين قارون «القوة الاقتصادية العظمى»، والمحتكر الخاطئ الذي كان لا يرى إلا نفسه على حساب المستثمر الصغير حتى ولو كان مآل الصغير إلى أسفل سافلين، وبين معالي الشيخ سالم العلي من جهة أن كونهما أغنياء، وهناك اختلاف من جهة أن الأول كما ذكرنا آنفاً يعتقد كما يعتقد غيره أنه العقل المدبر للاقتصاد، وأنه الحصان الذي لا يشق له غبار في البورصة، وأن «المال مال أبونا والقوم ناشبونا»، متناسياً بذلك فضل الله عليه ونعمته التي أنعمها عليه، فترك ما أوجبه الله عليه من شكره بأداء الزكاة التي هي حق المال الذي وهبه الله إليه ليكون للفقراء المعدمين الذين لا يجدون ما يطعمون به أبناءهم والمساكين الذين لا يملكون مصاريف تعليم أبنائهم، والغارمين القابعين في السجون الذين هم خلق الله وعباده وأحبابه، فالله يحب عباده، كما يحب أحدكم أبناءه، فيمقت ربك مانعي الزكاة ويمحق البركة في تجارته وسائر أمور حياته، فهو محارب من الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم) ومحارب أيضاً من عباد الله الصالحين، وقد شرح الله صدر أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) لقتال مانعي الزكاة فقال لعمر (رضي الله عنه): «والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة».
/>فالزكاة تحقيق لمعنى الرحمة والتكافل الاجتماعي وقمع للظلم والاستبداد الذي غالباً ما يكون ملازماً لبعض «فجار» البورصة، فكان مآل قارون أن خسف الله به وبماله الأرض ليكون عبرة لأصحاب المحافظ الذين يمكرون بالمستثمرين الصغار، والله يمكر بهم.
/>ومن جهة أن الثاني، وهو سمو الشيخ سالم العلي الذي آتاه الله من المال الخير الكثير، فهو ينفقه على هلكته بالحق نحسبه، والله حسيبه، فهو بذلك مثال التاجر المسلم في زماننا هذا، فقد ضرب الشيخ أروع الأمثلة في الإنفاق والصدقة والإعانة على نوائب الدهر، لأنه يعلم ويعتقد بأنه لا ينقص مال من صدقة وأنه من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، وأنه لا بد من لقاء الله فآثر الشيخ أن يلقى ربه وهو راضٍ عنه، فإنفاق مئة وخمسين مليون دينار كويتي يكون للمحتاجين والغارمين الكويتيين القابعين في السجون، ولليتامى والأسر المحتاجة من أبناء هذا البلد، وإنفاق مثل هذا الرقم الضخم، يحتاج إلى وقفة تأمل ليتعظ منها العالم بأسره، خصوصاً بعض تجارنا «المتنفذين» الذين لا يرقبون في مواطن إلاً ولا ذمة، فمساعدة سالم العلي أعادت البسمة إلى كثير من الأطفال الذين فقدوا أباءهم وأمهاتهم بسبب الديون وكشفت الضر بفضل الله عن المعسرين والمحتاجين، فهنيئاً لك يا معالي الشيخ أخلاق الأنبياء وهنيئاً لك دعوات أهل الكويت، وهنيئاً لك قول النبي (صلى الله عليه وسلم): «نعم المال الصالح للعبد الصالح».
/>فمن أراد حفظ ماله، بل وزيادته زيادة عينية إلى أضعاف مضاعفة فليتبع أوامر الرب جل وعلا في كيفية حفظ المال ونمائه، فالعملية ليست بالذكاء ولا بالشطارة ولا بالدراسات الحديثة ولا بالنظريات المكتوبة، فقطعاً لستَ أشطر من قارون الذي كان القوة الاقتصادية العظمى في زمانه، فقال ساخراً ومتكبراً «إنما أوتيته على علم عندي»، فعلَّمه الله أن المال مال الله وأنه لا يملك حتى نفسه التي بين جنبيه فخسف الله به وبداره الأرض لتتعظ «القارونات» الأخرى ولا ينخدع المستثمرون الصغار ببريق الكبار، وقطعاً لستَ أشطر من أميركا، أم النظريات المادية، والدولة الرأسمالية العظمى، والتي أبهرت العالم بقوتها القارونية فأتى الله بنيانها من القواعد فهز الله قوتها الاقتصادية في ساعات ليقول الله للخليقة وللعالم أجمع كما ورد في كتابه العزيز الحكيم: «قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير».
/>حكمة اليوم
/>لا دار للمرء بعد الموت يسكنها
/>إلا التي كان قبل الأمس يبنيها
/>فإن بناها بخير طاب مسكنــــه
/>وإن بناها بشر خاب بانيها
/>راجح سعد البوص
/>كاتب وأكاديمي كويتي
/>Rajeh4@hotmail.com
/>