منذ بداية سبتمبر وبعد عملية «درع الفرات» وتنظيف جرابلس من «داعش»، اتّجه عناصر التنظيم الى منطقة القلمون الشرقي، في تطوُّر اعتُبر محاولة من «الدولة الإسلامية» للسيطرة عليها بغية حماية المناطق المحيطة بالعاصمة السورية في الريف.وقد اشتمّ كثيرون من وراء اتجاه «داعش» الى القلمون الشرقي رغبةً في ملاقاة مخطط النظام السوري ومساعدته بطريقة غير مباشرة على تنفيذ استراتيجية لطالما استخدمها في مناطق الحماوة والتي عانت من الحصار، وتقوم على تهجير سكانها وعقْد اتفاقات تقضي بإخراج محاصَرين الى مناطق أخرى في إطار عمليات الفرز التي لا يدرك احد الى اين ستوصل سورية. ولاحظ هؤلاء كيف ان قوات «داعش» تحركت من الشمال السوري وقطعت مسافات من دون ان تتعرّض لغارة واحدة أميركية او روسية.وتنبّه «الجيش السوري الحر» للأمر، فاستنفر فصائله في المنطقة ودارت اشتباكات دامية، واشتعلت جبهات كانت قد بردت في الفترة الأخيرة لا سيما في جبل الافاعي والاشارة والضبعة والزبيدة.ورغم محاولات «داعش» المتكررة للتقدم والسيطرة في هذه المناطق، إلا ان «الجيش الحر» استطاع إفشالها، والمعارك ما زالت مشتعلة. وعلى وقع عمليات الكرّ والفرّ بين الطرفين، فان لا شيء يشير الى امكان حسمها قريباً اذ ان محاولات «داعش» مستمرة يومياً، فيما الجيش الحر يتصدى بإمكانات عسكرية ضعيفة نوعاً ما، اذا أُخذ في الاعتبار نوعية الاسلحة المتطورة التي يملكها «داعش».والسؤال لماذا يهتمّ «داعش» اليوم بالقلمون الشرقي ويسعى للسيطرة عليه؟ الجواب يأتي من طبيعة هذه المنطقة، اذ تُعتبر بوابة للبادية السورية التي تمتدّ الى الحدود الأردنية، العراقية، وإلى بادية البوكمال، وبوابة ريف حمص الشرقي وريف دمشق، كما يوجد في المنطقة مطاران عسكريان للنظام السوري. ووفق جغرافية المنطقة فان القلمون الشرقي كالقلعة، ما يجعل مسألة السيطرة عليه أمراً صعباً.وسعي «داعش» للسيطرة على القلمون الشرقي يعود ايضاً الى ان المنطقة هي امتداد لمناطق سيطرته في ريف حمص، ومنطقة اتصال المناطق الشرقية بدمشق، وهي بوابة الغوطة الشرقية. أما بالنسبة للنظام فهي منطقة تجمع عسكري كبير، وتقع على خطوط إمداد النظام البرية مثل طريق دمشق ــ بغداد، وطريق دمشق ـ حمص، وبوابة دمشق، وفيها منطقة القطيفة التي توجد فيها مساكن عسكرية، والتي تُعتبر من أكبر التجمعات السكنية في سورية. اما أهميتها بالنسبة لفصائل المعارضة، فتأتي من كونها تقع في خاصرة الغوطة الشرقية، ومن ان طبيعة ارضها تؤمّن حاضنة قوية لقواتها العسكرية.ويوضح عضو القيادة المشتركة في الجبهة الجنوبية الرائد أحمد تامر القائد العام لقوات الشهيد أحمد العبدو لــــ «الراي»، ان «تنظيم داعش تواجد في القلمون بعد معركة مستودعات مهين ولكن بأعداد قليلة، ولم يكن في ذلك الوقت اقتتال بينه وبين أي فصيل، ولكن بعد الاقتتال انسحب داعش من المنطقة وبقيت له خلايا لا تظهر علناً، تحت مسمى الكتيبة الخضراء التي بايعت التنظيم فيما بعد، وبدأت بالتفكير في الهيمنة على القلمون إثر سيطرة داعش على دير الزور، عن طريق إغراء أصحاب الأرض والتغرير بهم بهدف الإمساك بالمواقع الاستراتيجية وبوابة الغوطة، اضافة إلى ان هذه المنطقة لها أهميتها الثورية والعسكرية بالنسبة الى المعارضة كونها تُعتبر حصناً منيعاً لمواجهة أي عدو».ويرى أن «داعش» أصبح في مراحله الأخيرة، معتبراً ان «توجهه إلى الجنوب السوري للسيطرة على جبال القلمون الشرقي وجبال القريتين والحماد، مردّه الى ان هذه المنطقة تُعتبر ملاذاً وحيداً للاختباء من ضربات الطيران. وكما هو معروف فإنها حصن منيع ضد أيّ عدو يحاول السيطرة عليها، فتنظيم داعش يحتاج إلى منطقة آمنة في حال استمرّ في خسارة الأراضي التي يسيطر عليها حالياً».وعن مخاطر وجود «داعش» في القلمون، يشير تامر الى ان التنظيم «يريد التأثير على الثورة بالكامل، فهو يسعى الى السيطرة على الحدود السورية ـ الأردنية ويريد قطع طريق إمداد الثوار الذين يقاتلون النظام، وأيضاً يحاول إدخال خلايا الى الغوطة الشرقية لتعمل على خدمة النظام وإنهاء الفصائل الموجودة فيها كما يفعل حالياً في القلمون الشرقي حيث يساعد النظام في قتالنا عن طريق إغلاق طرق الإمداد التي لم يستطع النظام أن يغلقها سابقاً».ويؤكد ان «معركتنا مع «داعش» بدأت منذ اللحظة الاولى لنشاطه العسكري، اي منذ ان بدأ يفكر في السيطرة على القلمون، وقد شاركت في هذه المعركة غالبية الفصائل الموجودة في القلمون، وكان لقوات الشهيد أحمد العبدو دوراً كبيراً في دحر «داعش» وإفشال مخططاته في القلمون. ونتج عن هذه المعارك خسائر كبيرة للتنظيم، اذ اصيبت أقوى فرقه القتالية الانغماسية التي تغنى بها في غالبية معاركها». واضاف:«أعتقد أن الرغبة في السيطرة على هذه المنطقة لن تزول لدى «داعش» بسهولة، بل سيكثف جهوده في هذا الاطار. وقد سمعنا تهديده «نكون أو لا نكون» للتعبير عن نظرته الى هذه المنطقة، وذلك لأهميتها الاستراتيجية من الناحية الجغرافية والعسكرية والاقتصادية».ويلفت الى ان«هذه المنطقة يعتبرها داعش مركز الأمان الوحيد اليوم بعد خسارته في الشمال السوري، وهو يحتاج اليها لأن المنطقة خالية من السكان. فداعش خسر الحاضنة الشعبية وعرف انه يخسر في المدن، وعليه يحاول أن يغيّر في تكتيك السيطرة والعيش، بعدما حاربه أبناء المناطق التي سيطر عليها، وفي حال فكّر داعش في العيش داخل مناطق سكانية سيحتاج إلى أعداد كبيرة من الأمنيين لفرض السيطرة عليها، وهذا ما يَفتقد اليه بعد خسائره البشرية الكبيرة في غالبية حروبه، ولذلك فانه لن يتراجع عن حربه في القلمون الشرقي بسهولة».