عن أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها،عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الْخَصِمُ» رواه البخاري.وقوله: «أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم». وهذه الصيغة تبين أنه أبغض الرجال،في شدة مبالغته في الخصومة.الألد الخصم: المبالغ في الخصومة، وهو من لديد الوادي وهما جانباه، لديد الوادي جانباه؛ لأنه إنسان صاحب خصام وجدال قوي المعارضة بالباطل، والحجة الباطلة إذا أتيته من هنا نزع بحجة باطلة فيأكل حق غيره، ويأخذ حق غيره، يماري بالباطل يجادل بالباطل والخصومة بالباطل لا تجوز، بل لو لم يكن خصومة مجرد مراء أيضا لا يجوز.والخصومات أعظم ما تكون محرمة إذا كانت الخصومات في الدين، ففي حديث ابن عباس: «كفى بك إثما أن لا تزال مخاصما»، فلا يجوز للإنسان أن يكون مخاصما، كذلك الخصومة في الدين،والمناقشة في أمور الدين، فلا يعرض الإنسان دينه لكثرة الخصومات ويتنقل، ولهذا من كثرت الشُبه عليه تنقل، هذا قد يبتلى به كثير من الناس، وهو بلاء عظيم لا يبتلى به إلا البطالون.ولم يعهد أن أهل العلم حين يختلفون يتخالفون لا، هم إذا اختلفوا تآلفوا، ولهذا أهل القصور والنقص إذا اختلفوا تعادوا كما هو المشاهد الآن، يتعادون ثم يتبغاضون، ثم يتدابرون، ثم يتحاسدون، وهذه من أعظم المصائب، إذا كان هذا بين أهل العلم والدعاة إلى الله، فلا يعذر بعضهم بعضا، ولا ينصح بعضهم لبعض، مع أن كثيرا ممن يتكلم يعلم من نفسه، ويعلم الله منه أن في النفوس دسيسة، من الشيطان التي أظهرها في قالب الخير، فهي شهوات لبست بشبهات، ثم اندرجت بالباطل، ثم اندرج هذا الباطل بالحق اليسير الذي لبّس به الجدال والمراء دأب كثير من الناس سواء في أحاديثهم ومنتدياتهم، أو في مطالباتهم وخصوماتهم، فتراهم يتجادلون ويتمارون عند كل صغيرة وكبيرة،لا لجلب مصلحة، ولا لدرء مفسدة، ولا لهدف الوصول إلى الحق والأخذ به، وإنما رغبةً في اللدد والخصومة، وحبَّاً في التشَّفي من الطرف الآخر، ولهذا تجد الواحد من هؤلاء يُسَفِّه صاحبه، ويرذل رأيه، ويرد قوله.فلا يمكن - والحالة هذه - أن يصل المتجادلون إلى نتيجة طالما أن الحق ليس رائدَهم ومقصودَهم.فالجدال والمراء على هذا النحو مجلبة للعداوة، ومدعاة للتعصب، ومطية لاتباع الهوى، بل هما ذريعة للكذب، والقولِ على الله بغير علم خصوصاً إذا كان ذلك في مسائل الدين، وهذا أقبح شيء في هذا الباب.أقوال في الجدل والمراءولما كان هذا هو شأن الجدال والمراء والخصومة تجنب السلف ذلك، وحذَّروا منه، وورد عنهم آثار كثيرة فيه.قال ابن عباس - رضي الله عنهما: «كفى بك ظلماً ألا تزال مخاصماً، وكفى بك إثماً ألا تزال مماريا».وقال ابن عباس لمعاوية - رضي الله عنهما -: «هل لك في المناظرة فيما زعمت أنك خاصمت فيه أصحابي ؟ قال: وما تصنع بذلك ؟ أَشْغَبُ بك وتشغب بي، فيبقى في قلبك ما لاينفعك، ويبقى في قلبي ما يضرك».وقال ابن أبي الزناد: «ما أقام الجدلُ شيئاً إلا كسره جدلٌ مثله».وقال الأوزاعي: «إذا أراد الله بقوم شراً ألزمهم الجدل، ومنعهم العمل».وقال الأصمعي: «سمعت أعرابياً يقول: من لاحى الرجال وماراهم قلَّتْ كرامته، ومن أكثر من شيء عُرِف به».وأخرج الآجُرِيُّ بسنده عن مسلم بن يسار - رحمه الله - أنه قال: «إياكم والمراءَ، فإنه ساعةُ جهلٍ العالم، وبها يبتغي الشيطان زلته».وورد عن عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله - أنه قال: «من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل».وقال عبدالله بن حسين بن علي - رضي الله عنهم: «المراء رائد الغضب، فأخزى الله عقلاً يأتيك بالغضب».وقال محمد بن علي بن حسين - رضي الله عنهم: «الخصومة تمحق الدين،وتنبت الشحناء في صدور الرجال».وقيل لعبدالله بن حسن بن حسين: «ما تقول في المراء ؟ قال: يفسد الصداقة القديمة، ويحل العقدة الوثيقة، وأقل ما فيه أن يكون دريئة للمغالبة، والمغالبة أمتن أسباب القطيعة».وقال جعفر بن محمد: «إياكم وهذه الخصومات، فإنها تحبط الأعمال». وقيل للحكم بن عتيبة الكوفي: «ما اضطر الناس إلى هذه الأهواء؟ قال: الخصومات».
متفرقات - إسلاميات
في رحاب السنة النبوية
أبغض الرجال إلى الله...
01:05 ص