يقدم المفكر الحقيقي للعامة أفكاراً جديدة عن نطاق واسع من المواضيع، بحيث يعبّر عن هذه الأفكار قبل وقت طويل مما يفعل معظم الناس. وهذا هو جوهر تعريف عالم نوبل للاقتصاد، فريدرك هايك، للمفكر. وفي مقالته المنشورة في مجلة جامعة شيكاغو للقانون عام 1949 «المفكرون والاشتراكية»، ألقى هايك الضوء أيضاً على أن المفكرين في مختلف الأحول أهم ما يعتقد معظم الناس. ورغم كل شيء، فهم يشكلون الرأي العام.لقد كان الاقتصادي النمساوي هايك أحد المفكرين المفضلين بالنسبة إلى رونالد ريغان. وقد كان ريغان مفكراً حسب تعريف هايك. ريغان المفكر؟ يجيب كتاب «بقلم ريغان» (2001) عن ذلك السؤال. ويحتوي هذا الكتاب، ذو المقدمة التوضيحية التي كتبها جورج شولتز، 259 مقالة كتبها ريغان بنفسه، والتي تتكون بشكل أساسي من نصوص برامجه الإذاعية التي كانت تذاع لمدة خمس دقائق خمسة أيام في الأسبوع في أواخر السبعينات. إن المقالات رائعة ومثيرة في اتساع وعمق موضوعاتها، وقد وضعت أساس إطار العمل الفلسفي لرئاسته.ومن الجدير ذكره أن «يوميات ريغان» (2007) نُشرت للتو. وباستثناء الوقت الذي دخل فيه المستشفى ليتلقى العلاج بعد محاولة اغتيال فاشلة، فقد كتب ريغان يومياته كل يوم. وقد كانت مذكراته اليومية تحتل ما طوله نحو صفحة ومكتوبة بوضوح بخط ريغان. وكما هي الحال مع كتاب «بقلم ريغان»، فإن «يوميات ريغان» هي من أعمال ريغان التي كتبها بيديه، وليست مواد كتبها موظفوه نيابة عنه.لا عجب أن ريغان بدا مسترخياً ومسيطراً على نفسه. فقد فكر في الأمور ملياً. وبوصفه شخصاً كان كبير الاقتصاديين في مجلس المستشارين الاقتصاديين خلال عامي 1981 و 1982 فقد رأيت بصيرته الفكرية مباشرة.وكانت واحدة من مهامي السابقة تحليل تملك الأراضي من قبل الحكومة الفيديرالية وتقديم التوصيات عما يجب الفعل بها. وكان هذا عملاً كبيراً. فهذه الأراضي واسعة بحيث تغطي مساحة تبلغ ستة أضعاف مساحة فرنسا. وتمثل هذه الأراضي التي يُزعم أنها حكومية شذوذاً اشتراكياً كبيراً في نظام أميركا الرأسمالي. وكما هي الحال مع جميع المشاريع الاشتراكية، فإنها تُدار بشكل سيئ من قبل السياسيين والبيروقراطيين الذين يرقصون على أنغام جماعات المصالح الضيقة. وبالفعل، فإن الأراضي الأميركية المؤممة تمثل أصولاً تساوي تريليونات الدولارات، إلا أنها تولد صافي تدفقات مالية سلبية للحكومة. وقد قدمت توصياتي لاجتماع مجلس الأراضي الحكومية السنوي في رينو، نيفادا، في سبتمبر 1981. وكان عنوان كلمتي «خصخصوا تلك الأراضي». لقد أثارت خطبتي التي ألقيتها في رينو ضجة. فقد استشاط وزير الداخلية جيمس وات غضباً، لأنه أراد أن يسلم الأراضي للدولة، مستبدلاً نوعاً من الاشتراكية بآخر. ولا داعي للقول إنني ظننت أنني وقعت في ورطة. وعلى أمل تجنب أن أصبح أضحية سياسية، فقد أرسلت بسرعة تحليلي إلى الرئيس.ولدهشتي، فقد استجاب ريغان فوراً، ووقف إلى صفي. والأفضل من ذلك، فقد جعل بسرعة من عروضي سياسة للإدارة. كما جعل ريغان رسالته عن ميزانية السنة المالية 1983 علنية عندما صادق على خصخصة الأراضي الحكومية: «إن بعض هذه الأراضي غير مستخدمة وستكون ذات قيمة أعظم للمجتمع إذا تم تحويلها إلى القطاع الخاص. فسوف نوفر في الأعوام الثلاثة المقبلة تسعة مليارات دولار باستبعاد هذه الممتلكات، بينما نحمي ونحافظ بالكامل على الحدائق العامة والغابات والبراري والمناظر الطبيعية القومية».لقد تبين أن ريغان فكر مسبقاً في هذا الأمر. ويحتوي كتاب «بقلم ريغان»، على مقالات عدة عن الموضوع، والتي تؤذن ببيانه السياسي. إن تأملاته المتعلقة بالأراضي الحكومية تردد كتابات مفكر جيد آخر، وهو آدم سميث. ورغم أن ريغان لم يقتبس عن سميث مطلقاً، فإن منطقهما كان متشابها. واختتم سميث كتابه «ثراء الأمم» (1776) بقوله «لا تبدو أي شخصيتين غير منسجمتين أكثر من شخصيتي التاجر والسيد»، لأن الناس يبذرون أموال الآخرين أكثر مما يبذرون أموالهم. وبذلك الاعتقاد، فقد قدر أن إنتاجية الأراضي التي تمتلكها الدولة تبلغ 20 في المئة فقط مقارنة بالممتلكات الخاصة. واعتقد سميث أن قطع الأراضي الرائعة في أوروبا هي «مجرد مضيعة وإضاعة للدولة من المنتج والسكان على حد سواء». وقد أوقفت المعارضة السياسية ريغان من الخصخصة. وبالتالي بقيت أراضي الولايات المتحدة المؤممة تستخدم بطريقة سيئة. ولكن ريغان المفكر كان محقاً قبل وقت طويل!
ستيف إتش. هانكيأستاذ علم الاقتصاد التطبيقي في جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور، وهو زميل قديم في معهد كيتو في واشنطن العاصمة، وهذا المقال برعاية «مصباح الحرية»، www.misbahalhurriyya.org