ما إن يبدأ موسم العودة إلى المدارس، حتى يبدأ أولياء الأمور بضرب أخماسٍ بأسداس لتأمين تكاليف العام الدراسي الباهظة والفاحشة.على دفعات، يتجرّع الوالد والوالدة اللاهثيْن وراء لقمة عيش أبنائهم، «سمّ» زيادة الأقساط السنوية، ومن خلفها المواصلات، وما إلى هنالك من أعباء إضافية، كالقرطاسية، والزيّ، والنشاطات، والرحلات الترفيهية، وغيرها من المصاريف التي تدخل في خانة «النثريات»... وما أكثرها.أمام هذا الواقع المرير، باتت الأسرة التي لديها ولد واحد فقط، تصلي «سجدتي شكر» على نعمة «الولد الواحد»، في حين تندبُ نظيرتها، ممن لديها ولدان أو ثلاثة وربما أكثر، حظها «العاثر» على «نعمة» تعدّد الأولاد!وبعد أن ينقشع غبار حسابات بداية العام الدراسي، ويوطن أولياء الأمور أنفسهم مرغمين على تسديد الدفعات الشهرية المتلاحقة، والتي قد تراوح بين 500 و800 دينار، يفتح هؤلاء دفتر حساب من نوع خاص.ما هو هذا الدفتر؟، إنه دفتر الدروس الخصوصية، التي تزيد جيوب أرباب الأسر، احتراقاً، نظراً لارتفاع تكلفتها في ظل «جشع» أو «حاجة» (إن أحسنا الظن) نسبة لا بأس بها من الأساتذة والمعلمين، الذين وجدوا في هذه الخدمة «الاكسترا» ضالتهم المنشودة لتبرير ما يصفونه بـ «ضعف الرواتب».يبلغ معدل ومتوسط قيمة ساعة الدرس الخصوصي الواحدة نحو 15 ديناراً (نحو 50 دولاراً أميركياً)، وهذا الرقم قد يزيد وينقص، حسب المرحلة الدراسية، أي أنه قد يرتفع إلى 20 ديناراً فما فوق لطلاب المرحلة الثانوية، أو أنه في المقابل قد ينخفض إلى 10 دنانير أو أقل بقليل، لطلاب المرحلتين الابتدائية والمتوسطة.بحسبة «عرب» بسيطة، تضطر مئات وربما آلاف العائلات من المواطنين والمقيمين، على حد سواء، إلى دفع مبلغ قد يتجاوز عتبة الألف دينار سنوياً (حسب عدد الأبناء الطلاب)، مقابل ساعات معدودة من الدروس الخصوصية لأولادها، ما يعني أن الفاتورة التعليمية تزيد سنوياً نحو 50 في المئة نتيجة «بدعة» و«آفة» الدروس الخصوصية.الأسوأ من هذا كله، أن السواد الأعظم من المدرسين الخصوصيين، هم من الأساتذة الأصليين للطلاب أنفسهم في المدرسة عينها، ما يعني أن هناك تضارباً واضحاً في المصالح لجهة ممارسة «لعبة» الدروس الخصوصية، إذ إن لا مفر من طرح السؤال التالي: من يضمن «حٌسن» نية وأداء المعلم في الصف، في وقت تداعب مخيلته دنانير الدرس الخصوصي بعيد انتهاء الحصة الدراسية الرسمية؟باختصار، لا بدّ من معالجة الخلل أو «قوننة» سوق التعليم السوداء، من خلال وضع تسعيرة مخفّضة، وشروط محددة للدروس الخصوصية، بما لا يزيد أعباء الأسر المرهقة أصلاً بالأقساط وتوابعها، وبما لا يخلُ بالمسيرة التعليمية، التي تعد حجر الزاوية في نهضة أي مجتمع.
اقتصاد
في الصميم
«نار»... الدروس الخصوصية!
08:28 م