لم تعد الحملات الأميركية على المملكة العربية السعودية تقتصر على الإعلام الذي رفع أخيراً من وتيرة انتقاداته للحليف القديم - الاستراتيجي مصوِّباً نقده ضمن دائرة معيَّنة تلقى الدعم من الإدارة الاميركية - مثل بعض مراكز الدراسات المعروفة - او عبر صحفٍ لديها علاقات وثيقة بالادارة.وتمادت هذه الحملات ليَظهر ما هو اكثر خطورة من ذلك، ألا وهو قانون «جاستا» او ما يُعرف «بقانون محاسبة رعاة الارهاب» الذي يُسقِط الحصانات السيادية التي تتمتع بها الدول (انظر الى عدد «الراي» الاربعاء 15 سبتمبر تحت عنوان البيت الابيض: اوباما سيستخدم الفيتو ضد «جاستا»).وسط هذا التطور، بدأ المراقبون للسياسة الاميركية يطرحون وعلى الملأ أسئلة مردّها الى هذا التقلب في سياسة واشنطن. فعندما أطلّ الرئيس باراك اوباما على الإعلام بما عُرف حينها بـ«عقيدة اوباما»، أَظهر ما كان يريد إخراجه الى العلن حين وصف علاقة بلاده مع المملكة العربية السعودية بـ«المعقّدة». فردّ حينها الأمير تركي الفيصل بـ«أننا في السعودية لسنا المستفيدين بالمجّان».والأسئلة التي تطرح الآن هي: هل استغنت اميركا عن النفط السعودي؟ هل تَعتبر اميركا ان السعودية لم تعد الدجاجة التي تبيض ذهباً ونفطاً؟ هذا ما أراد قوله الأمير تركي عندما ردّ على الرئيس أوباما بالقول«ان الولايات المتحدة قد استفادت من مئات المليارات التي استثمرتها وأنفقتها ودفعتها السعودية وأنعشت من خلالها الاقتصاد الاميركي والشركات الحكومية والخاصة التي تنتخب الرئيس وتؤثّر بالسياسة والادارة الاميركية».فعندما يصرّح المرشح الاميركي دونالد ترامب انه سيطلب من المملكة العربية السعودية دفْع المستحقات المطلوبة لتوفير الحماية لها، فهو لا ينطق من فراغ، وعندما يقول ترامب إنه «سيقاطع النفط السعودي» فكلامه ليس بوحي بل هو صدى لما يتردّد داخل الادارة الاميركية التي ترسم سياسات الرئيس - الحالي والمستقبلي - وإن ذلك دل على شيء فيدلّ على الاتجاه الذي تذهب اليه الولايات المتحدة مستقبلاً. غير ان شخصية وسياسة الرئيس المقبل تسرّع او تؤخّر هذه السياسة ليس إلا.فإذا أرادت الولايات المتحدة ملاحقة السعودية لأعمال ارتكبها مواطنون منها في قضية ضرب البرجين في 11 سبتمبر 2001 ينتمون الى تنظيم«القاعدة»الذي أعلن العداء للسعودية، فالسؤال هو: مَن سيحاسب أميركا على المجازر التي ارتكبتْها بحق أبناء المنطقة؟ من فلسطين الى افغانستان؟ وهل ستطلب فيتنام وغيرها من الدول والعائلات التي هوجمت وقُتلت على يد الآلة العسكرية الاميركية تعويضاً من الولايات المتحدة؟من الواضح ان اميركا تستطيع ان تفبرك أدلّة لتدين اي دولة تريد. كما يمكنها تطبيق العقوبات على ممتلكات الدول وتحويلاتها للأموال من خلال المصارف التي يمرّ عبرها المال اذا ما ربطت مسؤولية الدولة بأعمال مواطنيها، كما انها مخوّلة الحجز على كل ممتلكات هذه الدولة او تلك لتبقى أموالها النقدية وأصولها المنقولة وغير المنقولة رهناً الى حين تبتّ المحاكم بأمرها.ففي القانون الدولي، ليس هناك تعريف متفَق عليه للإرهاب كنصّ مشترك بل ثمة عشرات النصوص التي تتبع مصالح الدولة الذاتية دون معايير مشتركة وموحّدة. والقانون الجنائي قائمٌ على قدرة الدولة ونفوذها في العالم ومكانتها الدولية وما تستطيع فعله عسكرياً من خلال تدخلاتها الخارجية وأمنها القومي ومصالحها الحيوية. ولهذا فإن معايير العدالة الدولية الفاعلة غير متوافرة الا عند بعض الدول، وبالأخص الولايات المتحدة. فلأميركا الحق بأن تقرر مَن هو إرهابي ومَن هي الدولة الارهابية ما يجعلها هي الفريق والحكَم، والقاضي والجلاد، المهادن والمحارب، المشرّع والمنفذ وتالياً يتاح لها التحكم بالعالم عن طريق البنك الدولي ولائحة الارهاب التي تصدرها خارجيتها وفق مبدأ الاستنساب.وقد غذت الولايات المتحدة الصراع الطائفي في الشرق الاوسط وروّجت له من خلال التهويل على المسلمين ودفْعهم للحذر من بعضهم البعض، الى ان نجحت بإيجاد شرخ يصعب ترميمه. فتارةً تستخدم مبدأ الديموقراطية والشفافية عندما يتناسب مع سياستها، وتارةً أخرى تستخدم الكذب لتبرر أعمالها. فلم يجد أحد أسلحة دمار شامل في العراق بغض النظر عن طغيان صدام حسين وجرائمه، ولم يلمس المتابعون من البيت الابيض الا غضّ نظر عن تمدُّد«تنظيم الدولة الاسلامية»(داعش) الى ما بعد العراق ليصل الى سورية. وكذلك تَسبب التدخل في ليبيا بانهيار البلاد اقتصادياً وتَمدُّد داعش اليها. فمَن يحاكم مَن؟ لقد انتقل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات من رأس قائمة الارهاب الأميركية الى حائز على جائزة نوبل للسلام عندما حصل على بركات«العم سام». ولم تُحاكَم اسرائيل يوماً على أفعالها، وتبقى ذاكرة العالم شاهدة على سجن ابو غريب، الذي لم يُطالب أبطاله بأي تعويض لعائلات ضحاياه الذين تعرّضوا لأبشع طرق التعذيب على أيدي الضباط الاميركيين أثناء احتلال العراق.وها هي أميركا، عيْنها على الـ 750 مليار دولار التي تملكها السعودية في الولايات المتحدة - منها 110 مليارات سندات خزينة - لتشرّع القوانين اللازمة لذلك. ويساعدها في الأمر الانقسام الاسلامي الذي لم يسبق له مثيل، ليسمح لواشنطن بأن تقول، انا حاكمكم الاعلى، آخذ ما أريد، وما لي هو لي وما لكم هو لي... وليس لكم.
خارجيات - تقارير خاصة
من فلسطين إلى أفغانستان ومن فيتنام إلى أبو غريب ومن ليبيا إلى دعم إسرائيل... المطلق
«جاستا» الأميركي يستهدف أرصدة السعودية ... ولكن من يحاسب «العم سام» على جرائمه في المنطقة؟
07:10 ص